شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٧٣
الباري عز سلطانه مثل المصنوعات التي يتعلق إدراكه بها من المتحيزات وما يقوم بها، ثم يحكيه الخيال بصورة منها، ثم يساعده العقل في مقدمة أخرى وهي أن حكم الشئ حكم مثله فيجري حينئذ عليه صفات مخلوقاته التي حكم بمثليته لها، وقال بعض المحققين: الجهتان أولاهما أن يكون الموهوم مما تحده الحواس وتحيط بحقيقته وأخراهما أن تمثله بصورته وشبحه وقوله: «إذ كان النفي - إلى آخره» دليل على مخلوقية الموهوم بإحدى هاتين الجهتين والمعنى أن كل موهوم بالحواس بإحدى هاتين الجهتين مخلوق أما الجهة الأولى فلان حصول الحقيقة بعد النفي ونفيها بعد الحصول في الوهم إبطال وعدم للحقيقة وكل ما يطرأ عليه العدم أو يكون معدوما يكون ممكن الوجود محتاجا إلى الفاعل الصانع له فلا يكون مبدأ أولا، وأما الجهة الثانية فلأن حصوله بالشبح والصورة يتضمن التشبيه والتشبيه صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، أو المراد بالجهتين جهتا الاستدلال بالمحدودية والممثل فيه على المخلوقية إحداهما جهة النفي ثانيهما جهة التشبيه انتهى.
والذي يظهر من كتاب التوحيد للصدوق وكتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي، أن في نسخة هذا الكتاب خللا وساقطا وكان السقوط نشأ من الناسخ الأول وفيهما هكذا «ولكنا نقول: كل موهوم بالحواس مدرك مما تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق ولا بد من إثبات صانع للأشياء خارج من الجهتين (1) المذمومتين إحداهما النفي إذ كان النفي هو الإبطال والعدم والجهة الثانية التشبيه إذ كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف».

1 - قوله «خارج من الجهتين» والمعنى على فرض صحة المتن وعدم سقوط شئ منه واتصال قوله إذ كان النفي بقوله فهو مخلوق أن ما تقوله لو كان حقا ولم يمكن لنا إدراك واجب الوجود بوجه وإن تحصيل الدليل على إثباته عبث لا يحصل منه الإنسان على شئ أصلا ويرجع عنه بخفي حنين لكأن التكليف عنا مرتفعا لأن نفي إدراك واجب الوجود مطلقا إبطال وعدم للتكاليف والشرايع ولا يمكن أن نلتزم نحن به مع إصرارنا على ترويج التوحيد ونشر الشرايع وإن كانت الجهة الأخرى وهي إمكان إدراك حقيقة الواجب من كل جهة أيضا مستلزما للتشبيه وقد ذكرنا في حواشي الصفحة 46 من المجلد الثالث احتمالا آخر في عبارة الحديث وهذا من شبه الماديين الشكاكين في عصرنا ويرون أن العلم الإلهي أوهام لا طائل تحته وأن ما ينسجه الفلاسفة بأفكارهم خيالات واهية إذ لا يعرف الإنسان شيئا لا يدخل في حواسه ولا يتأثر به جوارحه ونرد عليهم بأنا كما لا ندعي الإحاطة بحقيقة وجود الحق كذلك لا نقول إنا لا ندرك شيئا منه بوجه حتى يكون العلم الإلهي أوهاما بل نقول علمنا بوجود الحق من العلم بالآثار كعلم الطبيعيين بوجود قوة في المغناطيس جذابة للحديد يعترفون بها للعلم بأثره وإن لم يعلموا حقيقة القوة وكيفيتها وأنها لم تجذب الحديد ولا تجذب الأجسام الأخر وهكذا نعترف بوجود مبدء للعالم أوجده وحركه ويسيره إلى غاية وغرض ولا نعلم حقيقته وذكرنا في حواشي الصفحة 46 من المجلد الثاني من الوافي شيئا يتعلق بذلك. (ش)
(٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 ... » »»
الفهرست