شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٦٨
يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس» هنا وفي السابق على صيغة المجهول ويحتمل احتمالا بعيدا أن يكون هنا على صيغة المعلوم.
(فقال له السايل فنقول: إنه سميع بصير) هذا على الاحتمال الأول إيراد على قوله لا جسم يعني أن له سمعا وبصرا باعتقادك فيكون جسما لأنهما من لواحق بعض الأجسام وعلى الثاني إيراد على نفي الأفعال المذكورة عنه يعني أنك تقول هو سميع بصير فيدرك بالحواس.
(قال: هو سميع بصير سميع بغير جارحة) (1) هي الاذنان والصماخان والقوة المخلوقة فيهما (وبصير بغير آلة) هي العينان والقوة الباصرة وذلك لتنزهه عن الجوارح والالآت الجسمانية وقواها، ولما بين أن سمعه وبصره ليسا من باب سمع الإنسان وبصره في الاحتياج إلى الآلة أشار إلى توضيح المقصود دفعا لاتوهم السائل أنه تعالى يفتقر في سمعه وبصره إلى شئ آخر غير هذه الآلات المعلومة بقوله (بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه) (2) لا بشئ آخر غيرها ولما توهم من

1 - قوله «بغير جارحة» يذهب ذهن السامع من لفظ السميع إلى الأذن إذ لم يعهد الاستماع إلا بجارحة تقبل أمواج الهواء الحاصلة من قرع عنيف فيتأثر العضو بها فلا بد أن يتبادر إلى ذهنه من هذا اللفظ هذا المعنى فاستدركه الإمام (عليه السلام) ونبهه على فساد الاعتماد على ما يتبادر إلى الذهن من هذه اللفظة ومثله الكلام في البصير بغير آلة وفي البصر خصوصية أخرى وهو أن الإنسان يرى في نومه بغير باصرته أشياء وأمورا بحسه المشترك وهو أقرب إلى تصور العوام من سماع الأصوات بغير سامعة إذ لا يعهد مثله إلا لبعضهم نادرا. (ش) 2 - قوله: «يسمع بنفسه ويبصر بنفسه» وفيه من نقص المستمع وغلطه في فهم المقصود ما في الأول لأن المتبادر إلى الذهن أن النفس شئ ومن له النفس شئ آخر ولذا احتيج إلى تأويل قوله تعالى (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) فاستدرك الإمام (عليه السلام) نقصانه بالبيان وقال: إن النفس لفظ مستعار عبرت به وكنت مجبورا أن أعبر بلفظ حتى أجيبك لأني مسؤول فاعلم أنه ليس الله تعالى شيئا ونفسه شيئا آخر بل مقصودي من النفس كله أعني لا يسمع بجارحة هي بعضه بل يدرك بكله ولكن لفظ الكل أيضا يوهم خلاف المقصود إذ يتبادر الذهن منه إلى ماله جزء وليس المقصود ذلك بل يرجع ذلك إلى عدم الاختلاف وحاصل ذلك الجام ذهن المستمع ومنعه عن الانطلاق إلى ما يذهب إليه بحسب عادته ومثل ذلك صفة الخلق فإنك إذا قلت الله خالق الأشياء ومثلته بالبناء والبناء ذهب ذهن السامع إلى أن الخلق مستغن عن الله تعالى بعد الوجود كما أن البيت مستغن عن البناء الذي بناه وأن مثلته بالشمس والنور حيث أن النور محتاج إلى الشمس حدوثا وبقاء ذهب الذهن إلى أن الله تعالى مضطر في فعله كما أن الشمس مضطره فلا بد لك أن تأخذ من هذا ضغثا ومن ذلك ضغثا فتركبه وتقول هو في العلم والاختيار نظير البناء وفي دوام احتياج المعلول إليه نظير الشمس وأيضا إطلاق الظاهر والباطن والقريب والبعيد عليه تعالى يوهم كونه جسما فإن قيل إنه معك في كل مكان أو في قلبك فهم منه الجاهل الحلول والقول بوحدة الوجود منكر لذلك فإن الذهن يتبادر من اتحاد شئ بالأجسام إلى حلوله فيها إذ لا يحل في الجسم إلا جسم أو جسماني فيلزم من وحدة الوجود كونه تعالى جسما أو جسمانيا فالغلط فيه ناش من قصور اللفظ وليس مرادهم من وحدة الوجود إلا مفاد قوله تعالى (نحن أقرب إليه من حبل الوريد) وهو الظاهر والباطن وللبحث في ذلك محل آخر إن شاء الله تعالى ونعم ما قيل:
معاني هرگز اندر حرف نايد * كه بحر قلزم اندر ظرف نايد (ش)
(٦٨)
مفاتيح البحث: النوم (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست