شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٧٤
(فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين) الفاء للتفريع أو للتوضيح والتفسير (والاضطرار) الراجع (إليهم) على تضمين معنى الرجوع ويحتمل ان يكون إلى بمعنى اللام أو بمعنى «من» حرف الجر يستعمل بعضه في معنى بعض آخر.
وفي الكتابين المذكورين «والاضطرار منهم إليه» وهو يؤيد الاحتمال الأخير أي والاضطرار لهم أو منهم إلي وجود الصانع (أنهم مصنوعون) وكل مصنوع مضطر إلى صانع غيره ينتج أنهم مضطرون إلى صانع غيرهم.
(فقوله (وأن صانعهم غيرهم) إشارة إلى نتيجة هذا القياس أما الصغرى فلشاهدة كل جزء من أجزاء هذا العالم الذي هو بمنزلة شخص واحد بلسان إمكان ذاته وصفاته وحدوثه على أنه مصنوع مقدر بتدبير وتقدير، وأما الكبرى فلاستحالة أن يكون الشيء صانعا لنفسه بالضرورة أو يكون صانعه مصنوعا مثله لاستحالة الدور والتسلسل فوجب الانتهاء إلى الصانع القادر الذي يقوم بذاته وينظم سلسلة الموجودات ويضع كل موجود في مرتبته من النظام المشاهد.
(وليس مثلهم) في محل الرفع عطفا على غيرهم وتفسيرا للمغايرة أي ليس صانعهم مثلهم في الذات والصفات بوجه من الوجوه. (إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف) أي في التركيب والتأليف الظاهرين فيهم فالإضافة من باب جرد قطيفة أو في أمر ظاهر فيهم هو التركيب والتأليف فالإضافة من باب ختم فضة.
(وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد إذ لم يكونوا) أي من وجودهم بعد العدم (وتنقلهم من صغر إلى كبر وسواد إلى بياض وقوة إلى ضعف وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها) أي تفسير تلك الأحوال وتعدادها مفصلة (لبيانها) أي لظهورها (ووجودها) فينا وفي غيرنا من المصنوعات وتلك المشابهة تقتضي أن يكون خالق جميع المصنوعات بحيث لا يشد منها شيء مصنوعا وهو باطل بالضرورة فقد ثبت أن في الوجود صانعا عاريا من المشابهة بمصنوعه ذاتا وصفة مجردا عن الحدوث ولواحقه.
(قال له السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده) لأن إثبات الوجود له فرع لحصوله في الذهن محدودا به معلوما له، وأيضا القول باتصافه بالوجود تحديد له بالوجود وهذا مناف لقولك إنه لا يحد.
(قال أبو عبد الله (عليه السلام): لم أحده) (1) لأن تحديده على وجهين أحدهما الإشارة العقلية بمعنى

1 - قوله «لم أحده» حد الوجود هو الماهية، لأن الماهيات تميز موجودا عن موجود كحدود الدار تميز دارا عن دار أخرى، فالحجر ماهية والشجر ماهية ولا يترتب على الحجر خواص الشجر ولا على الشجر خواص الحجر، وكل واحد منهما ممتاز عن الآخر بماهيتهما ومعناهما وإن كل الوجود مشتركا بينهما ولو لم يكن اختلاف الماهية لترتب خواص الشجر على الحجر وبالعكس فالوجود في ذاته مع قطع النظر عن الماهيات غير محدود أي يترتب عليه جميع الآثار وإنما يتحدد آثاره بعروض الماهية ومفاد سؤال الزنديق أنك إذا أثبت وجوده تعالى فقد أثبت له حدا إذ كل موجود له آثار تترتب عليه خاصة ولا تترتب تلك الآثار على غيره فكل موجود محدود والجواب أن إثبات وجوده تعالى لا يستلزم إثبات المحدودية له إذ يتعقل أن يثبت وجود يترتب عليه جميع الآثار ويفيض منه جميع الكمالات فيكون غير محدود وهذا يشبه ما أثر عن بعض الحكماء أن بسيط الحقيقة كل الأشياء. ويتوجه هنا رد سؤال وهو أن الله تعالى هل هو محدود الوجود إلا أنا لا نعلم حده أو ليس بمحدود أصلا، والجواب الصحيح أنه ليس بمحدود أصلا إذ لا ماهية له لا أنه محدود ولا نعلم حده كما يقول به من قال له ماهية مجهولة الكنه. وقال صاحب المنظومة:
الحق ماهيته إنيته * إذ مقتضى العروض معلوليته فهو نفس حقيقة الوجود وأصل التحقق لا شيء له التحقق وعرض له الوجود. (ش)
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست