الذين لم يشاهدوا بعد ساحله فإذا سألوا العارف بالله وجب عليه الإتيان بعبارات لائقة وكلمات رايقة تدلهم إلى ساحل القدس ليغترفوا من بحره بقدر الإمكان، ثم إنه وإن بالغ في تصحيح العبارات وتنقيح الكلمات عما لا يليق بجناب الحق كانت العبارات والكلمات لا محالة مغياة بغيات خيالية ومحدودة بحدود وهمية ومربوطة بصور عقلية يتنزه قدس الحق عنها لأنه وراء ما يدركه العقل والوهم والخيال فوجب عليه الإشارة إلى تقدس الحق عما يفيده ظاهر العبارة ليهتدي السائل إلى ما هو المقصود منها ولا يذهب وهمه إلى ظاهرها فلذلك نبهه (عليه السلام) على براءة ساحة الحق عما يفيده ظاهر هذه الكلمات وكرره على سبيل التأكيد والمبالغة حتى بلغ الكلام إلى توحيد الذات والصفات وهو التوحيد المطلق إلا أن السائل لما كان عاجزا قاصرا لألف نفسه بالمحسوسات لم يتأثر ذهنه بهذا البرهان الصحيح والنص الصريح فلذا (قال له السائل: فما هو) يعني إذا لم يكن لذاته اختلاف أجزاء ولم يكن له صفات زائدة فما ذاته وما صفاته وأي شئ يكون له حتى يعرف هو به والحاصل أن تعريف الشئ إما بالحد المشتمل على الذاتيات أو بالرسم المشتمل عل الصفات وحيث لا جزء له ولا صفة له لا يمكن معرفته بوجه.
(قال أبو عبد الله (عليه السلام) هو الرب وهو المعبود وهو الله) يعني يعرف هو بأنه مالك الممكنات ومربيها ومخترع ذواتها وصفاتها وكمالاتها وحالاتها وبأنه هو المعبود لهم المستحق لعبادتهم وغاية خضوعهم وتذللهم له وبأنه هو الله المستجمع الكمالات اللايقة به على الوجه الأتم والأكمل لا باعتبار أنها أجزاء أو خارجة عنه عارضة له، بل باعتبار أنها عينه، فذاته ينبغي أن يعرف بذاته وبصفاته الإضافية التي لا تقتضي التعدد والتكثر فيه أصلا والتكثر إنما هو في الخارج المضاف إليه وإنما اختار (عليه السلام) هذه الأسماء الثلاثة لأن لمعرفته تعالى طريقين أحدهما وهو طريق أكثر الخلائق أن يعرف بخلقه لأن كل ذرة من مصنوعاته مرآة يتجلى فيها سبحانه لخلقه وهم يشاهدون على قدر عقولهم لتفاوت تلك المشاهدة بحسب تفاوت أشعة أبصار بصائرهم. وثانيهما وهو طريق الصديقين أن يعرف ذاته بذاته لا بخلقه وفائدة معرفته على الوجهين هي الطاعة والانقياد والتقيد بذل العبودية فأشار (عليه السلام) إلى الأول بقوله هو الرب وإلى الثاني بقوله وهو الله وإلى الفائدة بقوله وهو المعبود، ثم قال (عليه السلام) دفعا لتخيل السائل لكون طبعه متعلقا بالمتخيلات.
(وليس قولي الله) أي ليس القصد في قولي هو الله ولا في قولي هو الرب وهو المعبود ولم يذكرهما لدلالة سياق الكلام عليه.
(إثبات هذه الحروف ألف ولام وهاء ولا راء ولا باء) أي إثبات مركب منها (ولكن ارجع) يحتمل الأمر والتكلم (إلى معنى) أي إثبات معنى قائم بذاته (وشئ خالق الأشياء وصانعها الذي