والوجوب إذ ذاته قائمة بالذات وصفاته عيينة ووجوبه ذاتيان يستحيل انفكاك ذاته عنهما بوجه من الوجوه في مرتبة من المراتب وأما الممكنات فذواتها قائمة بغيرها وصفاتها مغايرة لها ووجودها ووجوبها من غيرها حتى أنها كانت في وقت من الأوقات عارية عن جميع ذلك، وإنما قلنا: الظاهر ذلك لأنه يمكن أن يراد بالشيء الموجود بالوجود المطلق بل هو أولى بالإرادة ليكون إشارة إلى أنه تعالى مخالف للأشياء في الذهن والخارج إلا أن الكلام حينئذ خال عن الإيماء إلى وجوده في الخارج والأمر فيه هين لأن وجوده في الخارج علم من الدليل السابق، ولما كان إطلاق الشئ عليه يوهم أن له ذاتا متصفة بشيئية خارجة عنها رفع ذلك الوهم بقوله (أرجع بقولي) هو شئ (إلى إثبات معنى) صحيح مقصود من هذا القول إذ ليس المقصود أنه نفس المركب من هذه الحروف ولا الموصوف بمفهومه. وقد فسر ذلك المعنى بقوله (وأنه شئ بحقيقة الشيئية) يعني أنه شئ وشيئيته عين ذاته الحقة الأحدية (1) المنزهة عن التكثر والتعدد لا معنى خارج عنها قائم بها كما أنه موجود وعليم مثلا ووجوده وعلمه عين ذاته وفيه إشارة إلى نفي زيادة الصفات والأحوال عن الذات وسيجئ تحقيق ذلك إن شاء الله.
ثم إن فهم الزنديق لما كان متوجها إلى المحسوسات ووهمه متعلقا بالجسم والجسمانيات بالغ (عليه السلام) في نفي مشابهته بشئ منها فقال (غير أنه لا جسم) لأن كل جسم ذو جزء وكل ذي جزء مفتقر إلى جزئه الذي هو غيره وكل مفتقر ممكن فلو كان الصانع جسما كان ممكنا وهو واجب بالذات فيلزم أن يكون واجبا وممكنا جميعا وأنه محال (ولا صورة) (2) لأن كل صورة سواء كانت جسمية أو غيرها محتاجة إلى محل والصانع الحق لا يحتاج إلى شئ أصلا فضلا عن أن يحتاج إلى محل يحل فيه (ولا يحس) أن أحسست فلانا إذا رأيته أي لا يمكن إدراكه بحاسة البصر لا في الدنيا ولا في الآخرة لأن المدرك بالبصر بالذات هو الألوان والأضواء وبالعرض المتلون والمضيء أعني الجسم القابل لهما وهو سبحانه لما كان منزها عن الجسمية ولواحقها وجب أن يكون منزها عن الإدراك بحاسة البصر وإنما أفرد عدم إدراكه بالبصر بالذكر مع ذكر الحواس لظهور تنزهه تعالى عن ساير الحواس ووقوع شبهة في أذهان كثير من الجهلة في جواز إدراكه بالبصر، حتى ذهب كثير