شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٦٣
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي المغرا) نقل عن الحسن بن داود ضبطه بالمد وفتح الميم، وعن العلامة في الإيضاح بالقصر وهو حميد بن المثنى بالتصغير (رفعه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه) الخلو بالكسر والسكون الخالي.
يقال: فلان خلو من كذا أي خال بريء منه يعني أن بينه وبين خلقه مباينة في الذات والصفات لا يتصف كل واحد منهما بصفات الآخر (1) وإليه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها، وبانت الأشياء منه بالخضوع له والرجوع إليه» (2).
ذكر (عليه السلام) في بينونته من مخلوقاته ما ينبغي له من الصفات وفي بينونتها منه ما ينبغي لها فالذي ينبغي له كونه قاهرا لها غالبا عليها مستوليا على إيجادها وإعدامها والذي ينبغي لها كونها خاضعة في ذل الإمكان والحاجة لعزته وقهره وراجعة في وجودها وكمالاتها إلى وجوده وبذلك حصل التباين بينه وبينها.
(وكل ما وقع عليه اسم شئ فهو مخلوق ما خلا الله) لأن الله كان ولم يكن معه شئ فكل شئ غيره محدث مخلوق، وهذا كالتعليل السابق لأنه يفيد أنه لا يجوز اتصافه تعالى بصفات خلقه لأن صفات خلقه مخلوقة ولا يجوز اتصافه بما هو مخلوق لاستحالة لحوق النقص به وافتقاره إلى الممكن وأنه لا يجوز اتصاف الخلق بصفاته وإلا لكان له صفة زائدة مشتركة فتكون تلك الصفة

1 - قوله «لا يتصف كل منهما بصفات الآخر» أخذ الشارح هذا المعنى من الكلام المنقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «دليله آياته ووجوده اثباته وتوحيده تمييزه عن خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة فهو رب ونحن مربوبون» ومقتضى هذا الكلام الشريف بينونته تعالى بينونة صفة أي بينونة لا يتصف بها كل من المتباينين بصفات الآخر وأما معنى ساير الفقرات فيؤيد هذا المعنى قوله «وجوده إثباته» معنى الوجود الإدراك في أصل اللغة العربية وهو فعل متعد ويقال: وجده أي أدركه وهو واجد له وأما المعنى المصطلح عندنا فليس في أصل اللغة بل منقول وهذا يدل على أن هذا الحديث الشريف ليس موضوعا ولو كان موضوعا من ناحية بعض الصوفية لاستعمل الوجود على اصطلاحهم فمعنى قوله (عليه السلام) وجوده إثباته أن إدراكه غير ممكن وغايته أن تعترف بأنه ثابت وأما كيفيته وماهيته فغير ممكن ثم بين (عليه السلام) حكم البينونة بأن صفاته غير صفات خلقه لا أنه معزول عنهم ومباين منهم والدليل على ذلك أنه رب ونحن مربوبون ولا يمكن التربية إلا بالإحاطة والقرب فهو أقرب إليكم من حبل الوريد ومقتضى القادرية والغالبية والاستيلاء أن لا يكون بينه وبين خلقه بينونة عزلة وهذا المعنى مكرر في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة وغيره كما قال «داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمباينة، وهذا أصل وحدة الوجود التي يقول بها الصوفية لكن بعبارة لا يشمئز الطبع منه. (ش) 2 - النهج قسم الخطب تحت رقم 150 أولها «الحمد لله الدال على وجوده بخلقه».
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»
الفهرست