شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٥٧
به المبصرات، والباهر الغالب، يقال: بهره بهرا إذا غلبه، وبهر القمر أضاء حتى غلب ضوؤه ضوء الكواكب والباهر أيضا الظاهر وهو إما صفة للنور أو للرب والمراد بنوره النور الذي خلقه في الأجرام النورانية مثل الشمس والقمر وسائر النجوم أو المراد به ما اهتدى به أهل السماوات والأرضين إلى مصالحهم وشدهم من العقول والنفوس وقواها كما يهتدي بالنور، أو المراد به صفاته الذاتية التي هي المبادي لظهور الوجودات في الممكنات وشروق الكمالات في الموجودات وإشراقات الحالات اللايقة بها، أو المراد به الحجج (عليهم السلام) (وبرهان الرب الصادق) (1) البرهان الحجة والمراد به الرسول لأنه حجة الله على عباده، أو المراد به الحجة المركبة من المقدمات الضرورية الصادقة الدالة على التوحيد الفايضة من المبدء على النفوس البشرية بلا تجشم كسب وزيادة كلفة.
(وما أنطق به ألسن العباد) (2) المراد به اللغات المختلفة الدالة على وجود القادر المختار كما

1 - قوله «وبرهان الرب الصادق» الصادق صفة البرهان كما في سائر القرائن والظاهر أنه ليس استدلالا من حال الخلق على الخالق لأنه أضاف البرهان إليه تعالى بعدما سبق بل هو استدلاله عليه بالنظر في أصل الوجود الحق وهو برهان الصديقين إذ لا ريب أن في الحقيقة وجودا فإن كان واجبا فهو وإن كان غير واجب فينتهي إليه ، أو نقول إن كان موجودا بنفسه فهو وإلا فهو متعلق بموجود بنفسه أو نقول إن كان الوجود مستقلا فهو وإن كان غير مستقل فهو مرتبط بوجود مستقل نظير ساير الأشياء والصفات فالنور الموجود إن كان بنفسه منيرا فهو وإلا فساطع عن منير بنفسه والبياض الموجود إن كان بنفسه أبيض فهو وإلا ففي الوجود شئ أبيض بذاته أخذ هذا البياض لونه منه وهكذا فالوجود نفسه برهان على واجب الوجود بذاته وبالجملة كل ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات ومن أسمائه تعالى يا برهان. (ش) 2 - قوله «وما أنطق به ألسن العباد» ذكر الشارح ثلاثة وجوه في معناه وذكر الفاضل المجلسي (رحمه الله) احتمالين آخرين الأول الاحتجاج باتفاق الأنبياء والأوصياء والعلماء والحكماء بل كافة العقلاء على وجود الصانع فيحصل العلم الضروري بوجوده والثاني دعاؤهم وتضرعهم والتجاؤهم إلى الله تعالى في الشدائد والمحن بمقتضى فطرة عقولهم وهذا يدل على أن عقولهم بصرافتها تشهد بخالقهم ومفزعهم في شدائدهم وهذا الوجه الأخير قوى جدا لأنا إذا تتبعنا غرائز الإنسان وشعورهم وقوتهم النزوعية التي يسميه أهل عصرنا بالعواطف جميعها لأغراض حكمية وغايات حقيقة كشهوة الطعام والخوف من المضار والرغبة إلى النسل ومحبة الأولاد والتوحش من الانفراد والتأنس بالأهلين وأبناء النوع واستحسان الخضر والماء والابتهاج بالأشجار والعمران وكل ما هو نافع لبقاء الشخص والنوع وكذلك الميل إلى الإحسان واستحسان أفعال الصلحاء والتنفر من القبائح فالتوجه إلى الله تعالى وحب الخلوة به والمناجاة معه في كل جيل وقبيل في المشركين والموحدين لا يمكن أن يكون غريزة باطلة وفطرة عبثا حاصلا لغير غاية والغاية هو الله تعالى الذي هو حقيقة الحقايق وغاية الغايات ومبدء المبادئ ويتحرك كل شئ للوصول إليه. (ش)
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست