وجوارحك وأعضائك وانقلاباتك من طور إلى طور ومن حال إلى حال علمت أن ذلك مستند إلى صانع عليم خبير.
(ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني) البناء مصدر بمعنى المبني فذكر المبني تأكيد.
والمشيد بفتح الميم وكسر الشين وسكون الياء المعمول من الشيد بالكسر والسكون وهو كل شئ طليت به الحائط من جص أو ملاط وبضم الميم وفتح الشين وتشديد الياء المطول يعني إذا نظرت إلى بناء محكم مبني من آلات مثل الطين والجص والأحجار وغيرها (علمت) علما يقينا لا تشك فيه (أن له بانيا) بناه على علم وتدبير.
(وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده) فكما أنك تحكم بأن لهذا البناء بانيا ولا يمنعك عن هذا الحكم عدم مشاهدته حتى أنك تنسب من قال لك: هذا البناء حدث بنفسه ووجب بذاته إلى السفه والجنون كذلك وجب عليك أن تحكم بأن لبناء هذا العالم الذي لا بناء أعظم منه وأتقن ولا صنع أكمل منه وأحسن بانيا بناه على علم وتدبير وصنعه على حكمة وتقدير (1) وإلا لكنت مكابرا لما يقتضيه صريح عقلك.
ولما سمع الزنديق دليلا على وجود الصانع (قال: فما هو؟) سأل بما هو عن كنه حقيقته وذاته أو عن خواصه وصفاته التي يمتاز بها عن غيره (قال: شئ) أجاب (عليه السلام) بهذا العنوان للتنبيه على أنه لا يبلغ إدراك كنهه عقل الإنسان وينبغي أن يعلم أن كل ما له حصول في الخارج أو في الذهن فهو شئ فيهما كما أنه موجود فيهما بالوجود المطلق وقد يفرق بينهما بأن المتصف بالحصول من حيث هو شئ ومن حيث اتصافه بالوجود أو كون الوجود عينه موجود فهما متساويان في الصدق كما أن الشيئية والوجود المطلق متساويان في التحقق، ويمكن إرجاع قول الأشعري بأن الشئ يختص بالموجود، وقول المعتزلي بأن الشئ ما يصح أن يوجد إلى ما ذكرنا بأن يراد بالوجود الوجود المطلق، ثم الظاهر أن المراد بالشيء هنا الموجود بالوجود الخارجي يعني أن الصانع شئ موجود في الخارج.
(بخلاف الأشياء) أي مخالف للأشياء الممكنة الموجودة في الذات والصفات والوجود