شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٤١
مذوبة وإن كانت أنسب ليكون إشعارا بصدور الذوب عن المبدء لكن قال فضة ذائبة لرعاية المناسبة مع قوله ذهبة مايعة وإطلاق الذهبة والفضة هنا على سبيل التشبيه والاستعارة وإنما اعتبر الميعان في الذهبة والذوبان في الفضة مع أن الأولى أن يعتبر الذوبان فيما يشبه بالذهبة والميعان فيما يشبه بالفضة لأن الميعان أنسب بالذهبة والذوبان أنسب بالفضة بالنظر إلى المعنى الحقيقي إذ الذهب ألين من الفضة والفضة أجمد وأصلب من الذهب وعلى هذا فذكر الميان والذوبان ترشيح للاستعارة لا تجريد.
(فلا الذهبة المايعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المايعة) مع أن تقارن المايعين وتلاقيهما يقتضي اختلاط كل منهما بالآخر (فهي على حالها) أي مصونة منتظمة ومتقنة غير خارجة عما فيه صلاحها. (لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها) أخبرته بكذا وخبرته بمعنى فالأصل في الإخبار والتخبير التعدية إلى المفعول الثاني بالباء وقد شاع التعدية أيضا بعن فعن هنا في موضعها أبو بمعنى الباء لأن الحروف الجارة قد يجيء بعضها في موضع بعض، ويحتمل أن يكون بمعنى المجاوزة كأنة جعل الخارج منها صلاحها تاركا بحالة وجاوزه إلى خارج يخبره به (ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها) في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي «عن إصلاحها وعن إفسادها» وهاتان الفقرتان ناظرتان إلى قوله «حصن مكنون» يعني لم يخرج من البيضة موجود مصلح لها فيخبرك عن صلاحها الناشي منه ولا دخل فيها موجود مفسد لها فيخبرك بعد خروجه عن فسادها الناشي منه وزوالها عن نظامها، والمقصود نفي أن يكون صلاحها وفسادها مستندين إلى شئ من أجزاء هذا العالم ليثبت أنهما مستندان إلى رب قادر ليس بجسم ولا جسماني (1) ولقد أعجبني نسبة الإصلاح إلى ما يخرج منها ونسبة الإفساد إلى ما يدخل فيها

1 - قوله «ليس بجسم ولا جسماني» ما ذكره الشارح لا يفي بتفسير الحديث ولا ينطبق على كلام الإمام (عليه السلام) إلا بتكلف لأنه (رحمه الله) لم يكن يعرف مذهب الديصانية حتى يتنبه لنكات احتجاج الإمام (عليه السلام) في الرد عليه وقد ذكرنا في حاشية الوافي في الصفحة 14 من المجلد الثاني شيئا في ذلك وحاصله أن مذهب الديصاني أن النور والظلمة اختلطا بنفسهما من غير أن يختار ذلك فاعل غيرهما وأن تكون الأشياء وحصولها باختلاط النور والظلمة وأن الميل إلى التركيب من مقتضى ذواتها فاختار (عليه السلام) البيضة إذ يتكون فيها الفرخ باعتقاد هؤلاء من اختلاط النور والظلمة وبياض البيض وصفرته نفسهما اختلاط منهما أيضا وإذا كان الميل إلى التركيب والاختلاط واجبا في العالم الكبير والفضاء الواسع بين النور المحض والظلمة المحضة مع شدة التضاد كان في حصن مكنون ذي فضاء ضيق كالبيضة أوجب وإذا كان مقتضى طبيعة النور والظلمة الاختلاط والتجاذب امتنع أن يقتضيا شيئا يخالف مقتضى طباعهما وهو إيجاد الجلد الرقيق، فإن قيل: إن الفرخ إنما يتكون باختلاط النور والظلمة الخارجين عن البيضة دون المنحصرين فيهما فقط، قيل: هذا باطل إذ البيضة قد تكون صحيحة وقد تكون فاسدة لا تفرخ ولا يعلم أحد ما فيها ولا يعلم ذلك النور ولا الظلمة الخارجان عنها قطعا فإن كان حدوث الفرخ باختلاط النور والظلمة لزم أن تفرخ البيضة مطلقا بأن ينفذ النور والظلمة من مسام الجلد فيها بمقدار ما يدخلان في البيضة الصحيحة ويحصل بالبخت والاتفاق ما يحدث ولا ينقسم البيضة إلى الصحيحة والفاسدة ولم يكن الديصانية معترفة بالله الحكيم ولا بالطبيعة الملزمة واقتضاء الأمزجة والتراكيب على مقتضى حكمة الله تعالى وقد نفوا الاضطرار نظير ما مر في الحديث الأول. (ش)
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»
الفهرست