شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٥٠
وأما ثالثا فلأن الإله الثالث على تقدير ثبوته يجوز أن يكون نسبته إلى الأولين متفاوتة بتفاوت ما به الامتياز في القوة والضعف وبهذا الاعتبار يقسم الممكنات ويخصص بعضها ببعض.
وأما رابعا فلأن هذا الدليل على هذا التفسير بعد تمامه لا يبطل إلهين اثنين في صورة افتراقهما واستقلال كل واحد منهما في بعض دون آخر بخلاف ما ذكرناه فهو أولى منه وكذا أولى مما قاله بعض المحققين من أن المقصود أنك لو ادعيت اثنين كان لا محالة بينهما انفصال في الوجود وافتراق في الهوية ويكون هناك موجود ثالث هو المركب من مجموع ذينك الاثنين وهو المراد بالفرجة، لأنه منفصل الذات والهوية وهذا المركب لتركبه من الواجبات بالذات المستغنيات عن الجاعل كان لا محالة مستغنيا عن الجاعل موجودا لا من تلقاء الصانع إذ افتقار المركب إلى الجاعل بحسب افتقار أجزائه فإذا لم تفتقر أجزاؤه لم يفتقر هو بالضرورة فإذن قد لزمك أن يكون ذلك الموجود الثالث أيضا قديما فيلزمك ثلاثة وقد ادعيت اثنين فإن ادعيت ثلاثة لزمك بمثل ما قلته في الاثنين أن يكون خمسة ثلاثة آحاد وحدانية ورابع مركب من الاثنين وخامس مركب من الثلاثة وعلى هذا القياس، فيلزمك ما لا يتناهى في العدد.
وفيه نظر من وجوه: الأول أن إطلاق الفرجة على هذا المركب لم يثبت لا لغة ولا عرفا، الثاني أن لزوم هذا الثالث من فرض إلهين اثنين ممنوع لجواز أن يكون الوجوب الذاتي مانعا من قبول التركيب، الثالث أن كون هذا المركب واجبا بالذات قديما ممنوع كيف وكل مركب فهو حادث لافتقاره في تركب وتألفه إلى الأجزاء والمؤلف، الرابع أن المركب من الاثنين على فرض الثلاثة ثلاثة فيكون العدد سبعة.
(قال هشام فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟) أي على وجوده (1) (فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وجود الأفاعيل) المحكمة المتقنة المنتظمة في الآفاق والأنفس (دلت على أن صانعا صنعها) فإنك إذا تأملت في عالم الأجسام من الأفلاك والكواكب والعناصر والمركبات المعدنية والنباتية والحيوانية وفي اختلاف صفاتها وأفعالها وإمكانها وحدوثها وفي أحوال نفسك

1 - قوله «فما الدليل عليه» فإن قيل الطريقة الصحيحة أن يثبت وجوده تعالى أو لا ثم يثبت توحيده لا إثبات توحيده لا إثبات توحيده أو لا ثم الرجوع إلى الدليل على أصل وجوده قلنا كان الكلام أو لا في عدم كون كل واحد من النور والظلمة واجبا مبدء للعالم فإذا ثبت طلب السائل الدليل على وجود المبدء الذي يقول به المسلمون وأصحاب الملل وهذا يؤيد ما ذكرنا من أن مجرى الكلام ليس إثبات التوحيد على ما تصدى له أعاظم الحكماء، بل رد الثنوية فقط وإن استفيد من كلامه (عليه السلام) ما يمكن أن ينتفع به الحكماء أيضا في غرضهم. (ش)
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست