شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٣١
لأن مذاهب العقول والأفهام ترتفع إلى كل شئ سواه وطرق الحواس والأوهام ترتقي إلى كل موجود عداه أما إليه فقد قصرتا عن الارتفاع والارتقاء وضلتا في بيداء العظمة والكبرياء، وأيضا كل معقول يمكن أن يدركه العقل ويحده بحد وكل محسوس يمكن أن يناله الحس ويصفه بوصف والرب ليس بمحدود ولا موصوف وأيضا كل محسوس لكونه جسما وجسمانيا مفتقر في الوجود وتوابعه إلى الغير والرب غني من الغير من جميع الوجوه فوجب أن يكون غير مدرك ولا محسوس، فالتنزه عن الإدراك والإحساس الذي جعلته دافعا للربوبية مصحح لها عندنا.
(قال الرجل: فأخبرني متى كان) لما عرف الرجل اندفاع سؤاله من جهة الكيف والأين استأنف سؤالا آخر من جهة «متى» وهو سؤال عن الزمان وحصول الشئ فيه، فقال: أخبرني عن أول زمان كونه ووجوده وهذا أيضا غلط نشأ منه لظنه أنه يدخل في وجود الرب متى تشبيها له بالزمانيات.
(قال أبو الحسن (عليه السلام) إني لما نظرت إلى جسدي) هكذا في النسخ التي رأيناها وإنما لم يجب (عليه السلام) عن هذا السؤال وأشار إلى أدلة وجوده لأن الجواب عنه يعلم من الجواب عن السؤال السابق، والظاهر أنه سقط في البين جواب وسؤال والذي يدل على السقوط والساقط جميعا ما رواه الصدوق من هذه الرواية في كتاب التوحيد بعد هذا السؤال.
«قال أبو الحسن (عليه السلام): أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان (1) قال الرجل فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن (عليه السلام) إني نظرت إلى جسدي» وهذا الجواب الساقط بحسب الظاهر من باب المعارضة بالمثل وبناؤه على ما هو الحق الصحيح من أن كل شئ له وجود حادث، له عدم سابق فكما يصح أن يقال متى كان صح أن يقال متى لم يكن أما ما لم يكن له وجود حادث لم يكن له عدم سابق فكما لا يصح أن يقال متى لم يكن لا يصح أن يقال: متى كان، فمتى لا يصح تعلقه بالوجود إلا إذا صح تعلقه بالعدم وأما بحسب التحقيق فالمقصود أنه متى لم يكن ربي حتى يقال متى كان، كان ربي قبل القبل في أزل الآزال وبلا قبل ولا غاية فلا يصح أن يقال متى كان ومتى لم يكن ولا تجري فيه مقولة متى وإنما يجري في الحوادث والزمانيات.
ولما عرف الرجل اندفاع سؤاله عن مقولة متى أيضا سأل عن الدليل على وجوده بقوله «فما الدليل عليه» أي على وجود الرب.

1 - قوله «متى كان، واجب الوجود عين حقيقة الوجود ولا يمكن سلب الوجود عن الوجود ولا يقال في حقه متى كان لأنه تعالى لم يتطرق احتمال العدم فيه حتى يسأل عن زمان وجوده وعلته كما لا يتطرق احتمال كون البياض أسود والنور ظلمة ولا يقال متى صار النور نورا لأنه لم يكن النور ظلمة قط بل كان النور معدوما وصار موجودا وكان البيت مظلما فصار منيرا وكذلك لا يقال لم يكن الوجود وجودا وهكذا. (ش)
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»
الفهرست