شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٣٣
والسفليات بلا فاعل؟ فاستحسن الملك وتنبه وزال عنه الشك (1).
(مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته) (2) في الهواء مع كمال العظمة شرقا وغربا على أنحاء مختلفة من البطوء والسرعة وأحوال متنسقة من الذهاب والرجعة وهذا الدوران وما فيه من المنافع الكثيرة والمصالح الجليلة والأسرار الخفية التي تعجز العقول عن إدراك تفاصيلها ويحتاج في معرفة بعضها إلى دقة تفكر ولطف تدبر دليل واضح على وجود الصانع وحسن تدبيره وثبوت القادر ولطف تقديره ألا ترى أن من أنكر أن يكون دوران الدولاب الأصغر المركب من الخشبات لإصلاح الحديقة مستندا إلى صانع ومحرك له وقال: إنه وجد بنفسه وتحرك بذاته، ويزجره كل سامع أشد

1 - قوله «وزال عنه الشك» استدلال حسن من تتبع صفات الفعل على صفات فاعله وإذا احتمل وقوع الشئ على وجوه كثيرة جدا واتفق واحد منها بصفة على وفق حكمة ومصلحة وغرض تيقن الإنسان أن فاعله مريد قادر والمتفكرون لما رأوا النظم والتدبير في هذا العالم عرفوا منه قدرة فاعله وحكمته. وفي توحيد المفضل «واعلم يا مفضل أن اسم هذا العالم بلسان اليونانية الجاري المعروف عندهم قوسموس وتفسيره الزينة وكذلك سمته الفلاسفة ومن ادعى الحكمة أفكانوا يسمونه بهذا الاسم إلا لما رأوا فيه من التقدير والنظام فلم يرضوا أن يسموه تقديرا ونظاما حتى سموه زينة ليخبروا أنه مع ما هو عليه من الصواب والاتقان على غاية الحسن والبهاء» انتهى وكذلك رأينا في كتب الإفرنج في تفسير كلمة قوسموس والآن يطلقون على علم الهيئة قوسمغرافي وقوسموس يدل في اللغة اليونانية على الزينة والنظام فأطلق على العالم بالمناسبة واستشهاده (عليه السلام) باللغة اليونانية وتطابق فلاسفتهم يدل على جواز الاهتمام بعلومهم والنظر فيها. (ش) 2 - قوله «دوران الفلك بقدرته» قد أقر الشارح في هذا المقام بما أنكره سابقا على الحكماء وهو بعيد منه وجملة القول أن الحركة المستديرة عندهم إرادية البتة إذ لا يمكن أن يقتضي الطبيعة توجها إلى شئ وإعراضا عنه وهذا مجبول في فطرة الإنسان فإذا رأى رحى أو دولابا يدور مستمرا من غير علة محركة نسبه إلى جن أو ملك كما ذكرنا سابقا ولذلك قالوا: إن حركة السماء بإرادة محرك سموه نفسا فلكية أو عقلا ونسبها أهل الشرع إلى ملك أو ملائكة مأمورين من الله تعالى لإدارة الأفلاك وهذا صحيح سواء قلنا بكون الأرض أو بحركتها كما في الهيئة الجديدة أو على قول بعض القدماء بخلاف الحركة المستقيمة يمكن أن تكون بالدفع والجذب أو بالميل والنفرة ولم يخف هذا الأصل على فلاسفة الإفرنج في عصرنا مع عدم اهتمامهم بهذه المسائل فإنهم لما رأوا حركة السيارات حول الشمس ولم يمكنهم أن ينسبوا الحركة المستديرة إلى فاعل واحد طبيعي التزموا بأن علتها مركبة من قوة جاذبة في الشمس لا تترك السيارات تذهب بعيدا وعلة محركة في نفس السيارات تحركها على الاستقامة إن تركها الشمس، فدورانها نظير دوران الشعلة الجوالة والمعلاق إن رمى الحجر منه بعد الدوران ذهب مستقيما، ويبقى السؤال في علة الحركة المستقيمة في الكواكب إذ ليست إلى جهة واحدة معينة البتة فهي في حكم المستديرة لا يمكن أن يستند إلى طبيعة فلا بد أن يستند إلى قاسر بأن يدفعها لا بأن يجذبها والقاسر غير ممكن أن يؤثر إلا فيما له ميل طبيعي ويجرى دليل القدماء في إثبات الإرادة في حركة الكواكب فيه أيضا وصرح بعضهم بأن الحركة لما أودع الخالق فيها من القوة المحركة. ولذلك تتمة سننبه عليها إن شاء الله تعالى. (ش)
(٣٣)
مفاتيح البحث: الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست