شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٣٠
بالجعل البسيط أعني إفاضة الوجود.
(فلا يعرف بالكيفوفية ولا بأينونية) لأنه كان موجودا قبلهما خاليا عنهما لما عرفت من أنه موجد لهما فلو اتصفت بهما لزم نقصه في ذاته واستكماله بخلقه ولزم أن يتحرك ويتغير من وصف إلى وصف وأن يحتاج إلى خلقه وأن يشوب عالم الوجوب الذاتي بعالم الإمكان وأن يكون جسما أو عرضا لأن ذا المكان والكيف يجب أن يكون أحدهما وهذه اللوازم كلها باطلة في شأنه تعالى (ولا يدرك بحاسة) لتخصص إدراكها بالأجسام وكيفيتها وتنزهه تعالى عن الجسمية ولواحقها ويمكن حمل الحاسة على القوى المدركة كلها لأنه تعالى لا يمكن إدراكه بشئ من أنحاء الإدراك إلا أن التخصيص أنسب بمقام السؤال (ولا يقاس لشئ) لتقدسه عن التشبه بخلقه في الجسمية والكيفية وغيرهما من توابع الإمكان.
(فقال الرجل فإذن أنه لا شئ إذا لم يدرك بحاسة من الحواس) يريد أن الذي وصفته ليس بموجود إذ كل موجود فهو مدرك بالحواس وهذا بناء على أن الزنادقة لا يحكمون بالوجود إلا على المحسوسات (1) فيجزمون بعدم وجود ما ليس بمحسوس لعدم كونه محسوسا ولا يعلمون أن عدم الإحساس بشئ لا يدل على عدم وجوده.
(فقال أبو الحسن (عليه السلام) ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه) لتقدسه عن نيل الحواس وتنزهه عن دخوله في حيز المحسوسات (أنكرت ربوبيته) للممكنات وافتقار الممكنات إليه في ذواتها وصفاتها وكمالاتها (ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شئ من الأشياء)

١ - قوله «إلا على المحسوسات» هذا من أوهى المتمسكات لهم لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود أترى أن الخراطين وأمثالها من الحيوانات التي ليس لها الحواس التامة يجوز لها إنكار النور لعدم القوة الباصرة؟ وقد فتح الله على عقول الإنسان بابا إلى عالم آخر وراء هذا العالم المحسوس وهو الرؤيا الصادقة لمن أنصف من نفسه ونظر بعين الاعتبار إذ قد يتفق له أن يرى أمرا غائبا لم يأت بعد ولم يوجد مثل موت أحد وولادة مولود وإعلاء منصب ووجدان مال بحيث لا يمكن أن ينسب إلى الصدفة ويقع ما رأى في منامه كما رأى ولا يمكن أن يكون هذا باطلا محضا إذ وقع كما رأى فهو ثابت في عالم غير محسوس وفي علم موجود عاقل يعرف ما سيأتي قبل أوانه وليس هذا العاقل العارف بالغيوب من موجودات عالمنا هذا إذ ليس فيهم من يعرف الغيب وليس من تجسم خيالاتنا لأنه حقيقة كما في رؤيا فرعون لسني القحط وقد اهتم الإنسان منذ أول الخليقة باكتشاف تأويل الرؤيا لأنهم عرفوا كون الرؤيا انذارا بشئ سيقع فإذا ثبت وجود عالم غير محسوس وموجود غير محسوس في ذلك العالم ثبت أن ذلك الموجود العالم بالغيوب أعلى وأشرف من موجودات عالمنا هذا وأن نفس الإنسان مرتبطة بذلك في الجملة. (ش)
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست