قال (عليه السلام) لإثبات وجوده بالدليل الإني المفيد لليقين «إني لما نظرت إلى جسدي» الذي هو البناء العظيم والعالم الكبير لاشتماله على أعضاء مخصوصة وأركان معينة وقوى معلومة وعروق ساكنة ومتحركة على نضد عجيب وتركيب غريب لمصالح كثيرة ومنافع جليلة التي يعجز عن تحريرها لسان البيان وعن تحديدها عقول أصحاب العرفان (ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ورفع المكاره عنه) المكاره جمع المكروه وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه والمكره بالضم والفتح المشقة مثل المصايب والنوايب الواردة على الإنسان.
(وجر المنفعة إليه) النفع ضد الضر يقال: نفعته بكذا فانتفع والاسم المنفعة (علمت أن لهذا البنيان) المشتمل على عجايب الخلقة ولطايف الفطرة (بانيا) بناه على عمد وتدبير وعلم وتقدير (1) وفيه استعارة مصرحة ترشيح (فأقررت به) أي بوجوده وربوبيته وقدرته ألا ترى أنك إذا رأيت بناء مركبا من آلات مثل الطين والحجر والجص والآجر والخشب ونحوها جزمت بأن له بانيا بناه وإن لم تشاهده ونسبت من قال: إنه حدث بنفسه ووجد من قبل ذاته إلى السفه والجنون. وفي كتاب درة التاج إنه كان لبعض الملوك شك في وجود الصانع وتنبه به وزيره وكان عاقلا فأمر ببناء قصور عالية وإجراء مياه جارية وإحداث بساتين عامرة في مفازة من غير أن يعلم الملك ذلك ثم ذهب بالملك إلى ذلك المقام فلما رآه الملك قال: من بناه قال الوزير: حدث تلقاء نفسه وليس له بان، فغضب عليه الملك فقال الوزير: يطول عمرك ايها الملك إن كان وجود هذا البناء بلا بان ممتنعا فكيف يصح وجود هذا البناء العظيم أعني الأرضين والسماوات وما فيهن من العلويات