شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٣٤
زجرة وينكر قوله أشد إنكار ويصر على تجهيله أشد إصرار وما ذلك إلا لأن دلالته على صانعه ومحركه ظاهرة بالضرورة وإذا كان الحال في هذا الدولاب ما عرفت فدلالة دوران ذلك الدولاب الأعظم الذي يدور على بسيط الأرض لإصلاح هذا العالم على وجود الصانع أظهر وعلى ثبوت المحرك له أولى وأجدر (وإنشاء السحاب) أي إيجادها وتحريكها في جو السماء إلى جهات مختلفة وبلاد متباعدة وهي حاملة للماء لإحياء الأرض وإنبات الزرع وغيرهما من المنافع التي لا تخفى على أرباب البصاير وأصحاب الضماير.
(وتصريف الرياح) شرقا وغربا جنوبا وشمالا وهو سبب عظيم لبقاء الحيوان والنبات واستعداد الأمزجة للصحة والنمو والثبات حتى قال كثير من الأطباء: إنها تستحيل روحا حيوانيا، ومن جملة المنافع أنها تحمل السحاب المترعة بالماء بين الأرض والسماء وتسوقها على وفق الحكمة البالغة إلى الأقطار لتصيب الأرض الميتة وتملأ العيون والأنهار.
(ومجرى الشمس والقمر والنجوم) (1) جريا مخصوصا في منازلها ومداراتها إلى جهات مختلفة تارة إلى الشمال وتارة إلى الجنوب وعلى أحوال متغايرة من السرعة والبطوء والإقامة والاستقامة والرجعة وعلى أوضاع متباينة من التقابل والتقارن والتربيع والتسديس إلى غير ذلك من آثار القدرة التي يتحير فيها أولو الأبصار يقولون (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).
(وغير ذلك من الآيات العجيبات) العلوية والسفلية (المبينات) أي الكاشفات المظهرات لوجود الصانع وقدرته وحسن تدبيره إن قرئت بكسر الياء، أو المكشوفات الموضحات في العقول أو في العلوم الباحثة عن الأمور السماوية (2) والأرضية إن قرئت بفتحها (علمت أن لهذا مقدرا

1 - قوله «إنشاء السحاب» نسبته إلى الله تعالى باعتبار إيجاده لا ينافي ارتباطه بما يذكر من علله الطبيعية فإنها مسخرات بأمر الله تعالى وكذلك تصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر ولا يخفى أن الناس لا يعلمون العلل الطبيعية لأكثر هذه الأمور على التحقيق ولكن يجب الكلام في إثبات التوحيد على فرض علمهم لا على فرض جهلهم فلا يجوز أن يقال للطبيعي إذا لم تعلم علة الريح والزلزلة والمطر أو إذا كان ما ظننته علة باطلا فيجب عليه الاعتراف بالله تعالى إذ لا نريد تخصيص قدرة الله تعالى وتأثيره بما لا نعلم له علة بل نريد تعميمها لكل شئ علمنا سببه الطبيعي أو لم نعلم كما ذكرنا ولهذا الخبر زيادة في كتاب التوحيد للصدوق (رحمه الله) وعيون أخبار الرضا (عليه السلام). (ش) 2 - قوله «العلوم الباحثة عن الأمور السماوية» وهذا ترغيب في تعلم علوم الكون وما يتوهم العامة أن الدين منع من تعلمها واضح البطلان بل إنما أمر به في الآيات الكريمة والروايات وليكن الغرض من التعلم النظر والتدبر ومعرفة حكمته تعالى في كل شئ. نعم قال بعض علمائنا عند ذكر العلوم الطبيعية: لم يكلف الإنسان الخوض فيها والتفكر في حقائقها ولو كان مما ينفع المكلف لم يهمل صاحب الشرع بيانها وقد ورد في كثير من الأخبار النهي عن تكلف ما لم يؤمر المرء بعلمه انتهى. وقول الواحد منهم لا يجعل حجة على الكل. (ش)
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست