شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٩
الخراساني خادم الرضا (عليه السلام) قال: دخل رجل من الزنادقة على أبي الحسن (عليه السلام) وعنده جماعة فقال أبو الحسن (عليه السلام): أيها الرجل أرأيت) أخبرني (إن كان القول قولكم) من أنه ليس لهذا العالم مدبر ولا لهذا الخلق معاد ولا ثواب ولا عقاب (وليس هو كما تقولون) الهمزة لإنكار النفي أو لتقرير المنفي (وإياكم شرعا) بفتح الشين وسكون الراء أو فتحها ويستوي فيه الواحد والمذكر والمؤنث والاثنان والجمع (سواء) تأكيدا لشرعا يقال: الناس في ذلك شرع أي سواء والمعنى أنا وإياكم متساوون في الأحوال لا فضل لنا عليكم ولا لكم علينا (لا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا) من العقايد المتعلقة بأحوال المبدء والمعاد والحشر والنشر والثواب والعقاب (فسكت الرجل) ولم يجب شيئا لعلمه بالمساواة وعدم إضرار هذه الأمور على هذا التقرير إذ إضرارها إنما يتصور إذا كان هناك رب قاهر طالب لتركها وهم لا يقولون بذلك.
(ثم قال أبو الحسن (عليه السلام) وإن كان القول قولنا وهو قولنا) من أن لهذا العالم مدبرا وعلى الخلق تكليفا يترتب عليه الثواب والعقاب (ألستم قد هلكتم ونجونا) من الهلاك والعقوبات وأمثال هذا الكلام الصادر عن الحكيم من الخطابيات والموعظة الحسنة والمحرضة للقلوب القاسية على سلوك سبيل الاحتياط، وقد قيل «من سلك سبيل الاحتياط فليس بناكب عن الصراط».
(فقال: رحمك الله أوجدني كيف هو وأين هو) الإيجاد الإظفار يقال: أوجده الله مطلوبه أي أظفره به وكيف سؤال عن الأحوال والكيفيات وأين سؤال عن المكان إذا قلت أين زيد تسأل عن مكانه والمعنى أظفرني بمطلوبي وأوصلني إليه وهو أنه كيف هو وأين هو يعني بين لي كيفيته وأظهر لي مكانه.
(فقال: ويلك إن الذي ذهبت إليه) من أن له كيفا وأينا (غلط) نشأ من فساد عقيدتك وضعف بصيرتك وتقيدك بقيد الحواس وعدم تجاوزك من المحسوسات إلى قدس الحق فشبهته بالخلق وظننت المساواة بينهما فأجريت حكم الخلق عليه وحكمت بثبوت الكيف والأين له (هو أين الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف) أي جعل الأين أينا بلا أين له أو بلا أين قبله وجعل الكيف كيفا بلا كيف له أو بلا كيف قبله وفيه دلالة على أن المهيات مجعولة (1) أو أحدث الأين والكيف

1 - قوله: «المهيات مجعولة» المهيات مجعولة بالجعل البسيط تبعا لجعل الوجود والوجود مجعول أصالة، وكل من جعل شيئا لا يتعقل أن يكون محتاجا في وجوده إلى ذلك الشئ المجعول وإلا لزم الدور. والأين نسبة الشئ إلى المكان وكل ما هو في المكان فهو محتاج إلى المكان والمكان متقدم عليه، وهذا يدل على بطلان وهم من يقول بقدم المكان وأن الفضاء غير مخلوق كان ثابتا أزلا وأبدا لا يعقل عدمه وفناؤه وأن الأجسام حاصلة فيه وإذا كان كذلك سقط البحث عن كونه متناهيا أو غير متناه لأن وهم من يذهب إلى عدم تناهيه مبني على وهم آخر وهو وجوب وجوده إذ لو لم يكن وجوده واجبا كيف علم وجوده ولم يحس به ولم يدل عليه شئ في بعد غير متناه خارج عن منال حواسنا وإدراكنا. (ش)
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست