شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٧
القادر الذي أنت مقهور تحت قدرته وإرادته فقد أشار (عليه السلام) إلى ظهور المبدء القادر (1) بأن هذه الصفات النفسانية الفائضة على النفس ليست مستندة إلى الطبيعة لأن الطبيعة لا يصدر منها الضدان ولو في وقتين ولا إلى إرادة النفس إذ لا مدخل لإرادتها فيها كما يظهر بالتأمل والوجدان بل إلى قادر قاهر يفعل بها ما يشاء، وقد اعترف الزنديق به حيث قال (وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي) أي آثارها (التي لا أدفعها) أي لا أنكرها ولا أقدر على دفعها (حتى ظننت أنه) أي المبدء لتلك الآثار (سيظهر فيما بيني وبينه) كظهور المحسوسات وإنما لم يذعن به طبعه الدني وذهنه الغبي لسواد قلبه وفساد لبه وزوال استعداده لقبول الحق «ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور».

١ - قوله «ظهور المبدء القادر» لا بد لمعلم التوحيد أن يدفع هذا الوهم العام أو لا وهو أن كل موجود محسوس وأن ما لا تدركه الحواس فلا حقيقة له ولذلك بدء في سورة البقرة بعد الفاتحة التي هي بمنزلة خطبة الكتاب الإلهي بأول واجب في تعليم الدين وهو قوله تعالى «ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب»، يعني بما لا يدخل في الحس فالإيمان بوجود شئ غير محسوس أول الشروط لتحقق الإيمان، واقتبس من الكتاب الإلهي الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا فبدء إلهيات الإشارات بدفع هذه الشبهة، فقال: قد يغلب على أوهام الناس أن الموجود هو المحسوس وأن مالا يناله الحسن بجوهره ففرض وجوده محال، ثم شرع في رد أوهامهم وكذلك مبنى شبهة ابن أبي العوجاء أن الله تعالى غير مدرك بالحس فليس بموجود وأن السماء خراب وليس عالم وراء هذا العالم المادي وقد حكى الله تعالى قولهم في كتابه وقال «يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون» ودفع شبهتهم موقوف على بيان أساس وهمهم وهو أنهم ذهبوا إلى ما ذهبوا لأن الحس في البدن يتأثر بشئ خارج عن البدن والإنسان مجبول على أن يصدق بأن التأثر لا يكون إلا عن سبب موجود مثلا تتأثر العين بالنور فيصدق بوجود المرئي وتتأثر الأذن بأمواج الهواء فيعلم وجود الصوت ويتأثر جلد البدن بغمز الملموس فيصدق بحرارة وبرودة. وأما المجردات كالملائكة والله تعالى فلا يتأثر البدن بوجودهم بمزاحمة وضغط وصدم ولا يصدق بهم لذلك فقال (عليه السلام): إن بدنك يتأثر بموجودات غيبية كما تتأثر حواسك بالجسمانيات ويجب عليك التصديق بها جميعا إذ ملاك الاعتماد على الحس موجود في المجردات أيضا ولذلك خص الكلام بالأحوال الطارية على البدن دون المصالح والحكم وآثار القدرة في الأكوان من السماء والأرض وغيرها وإنما كثر الأمثلة مما رواه الراوي ولم يروه لتسجيل الإحساس بمغلوبية البدن وتأثره أضعاف ما تتأثر الحواس بالمحسوسات وإذا أيقن الإنسان من تأثر يده بالحرارة بوجود نار قريبة منه كيف لا يتيقن من التأثرات العديدة في جميع جوارحه ونفسه وروحه بوجود مؤثر خارج عنه. وإن قيل لعل المؤثر فيها شئ غير الله تعالى قيل في جوابه: هو مؤثر غير محسوس بالحواس الخمس المعروفة ولا بد من الاعتراف بوجوده فيثبت أنه لا يصح إنكار شئ بعلة أنه غير محسوس بالحواس الخمس وهو المقصود هنا ثم يثبت انتهاء الأسباب أياما كانت إلى واجب الوجود تعالى شأنه. (ش)
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»
الفهرست