شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٦
كاف في تحققه ما لم تصر جازمة بل لا بد من انتفاء كف النفس عنه حتى تصير الإرادة جازمة موجبة للفعل فإنا قد نريد شيئا ومع هذا نتأني ونكف نفسنا عنه لحياء وحمية، وذلك الكف أمر اختياري يستند وجوده على تقدير تحققه إلى وجود الداعي إليه وعدمه إلى عدم هذا الداعي فإن عدم علة الوجود علة العدم وعدم هذا الداعي إلى عدم الداعي إلى هذا الداعي وهكذا وغاية ما يلزم منه التسلسل في العدمات ولا استحالة فيه وبالجملة الإرادة الجازمة اختيارية لاستناد عدم الكف المعتبر فيها بالاختيار وإن لم يكن نفس الإرادة إرادية ولا يلزم التسلسل المحال انتهى، ولاخفاء في دلالته على ما ذكرنا فإن الإرادة الجازمة هي الإرادة المؤكدة بالعزم والقطع على الفعل فأصل الإرادة اضطرارية والعزم اختياري.
(وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك) الشهوة للشيء حالة فائضة على النفس من المبدء بعد تصور ذلك الشئ وتصور منافعه والكراهة للشيء حالة فائضة عليها بعد تصوره وتصور مضاره كما تجد ذلك عند شهوتك للطعام وكراهته مثلا.
(ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك) الرغبة انبساط النفس وحالتها الفائضة من المبدء عند مشاهدة شئ مرغوب أو تصوره والرهبة يعني الخوف انقباض النفس وحالتها الفائضة عليها عند مشاهدة شئ مؤذ أو تخيله كما تجد ذلك في نفسك إذا رأيت شبحا في مغارة وظننت أنه أسد، ثم ظهر ذلك أنه إنسان صديق لك (ورجاؤك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك) الرجاء كيفية نفسانية فائضة من المبدء بملاحظة نافع شديد النفع واليأس انقطاع الرجاء كما تجد ذلك في نفسك إذا كنت محتاجا إلى الماء للشرب أو الزرع ورأيت سحابا ممطرا، ثم انكشفت وتفرقت أجزاؤه قبل أن يمطر فإنك تجد لنفسك يأسا بعد رجاء من غير أن يكون لك اختيار فيهما.
(وخاطرك بما لم يكن في وهمك وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك) العزوب بالعين المهملة والزاي المعجمة الغيبة والذهاب والبعد يقال: عزب عني فلان من باب منع وضرب إذا غاب وذهب وبعد والخطور الحصول، يقال: خطر أمر بباله وعلى باله خطورا من باب طلب إذا حصل فيه والخاطر اسم فاعل منه بمعنى الحاصل في الذهن وقد يطلق على الذهن كما يقال: أليس في خاطرك كذا، والمراد به هنا هو الشعور والإدراك بقرينة تعديته بالباء وإضافته إلى الفاعل وهو كاف الخطاب ويجوز استعمال الفاعل في المصدر كما يجوز عكسه والمقصود أن شعورك بما لم يكن حاصلا في ذهنك وحصوله في وهمك بعد ما لم يكن وذهاب شئ عن ذهنك بعد ما كان فيه ونسيانك إياه من غير أن يكون لك اختيار فيه دل على أن ذلك بإفاضة مفيض وإزالة مزيل وهو
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست