شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٣
(ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى إلى الإيمان به) هذا الكلام يحتمل أن يكون منعا لقوله (عليه السلام) «وهو كما يقولون» مع السند تقريره أن ما يقولون من أنه موجود ممنوع والسند أنه لو كان موجودا لم يحتجب (فقال لي ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك) بحيث لا تقدر على إنكار ذلك لو رجعت إلى صراحة عقلك فقد أنكر (عليه السلام) احتجابه عن الخلق وعدم ظهوره لهم وأشار إلى ظهوره بظهور آثار قدرته القاهرة في أنفسهم وهذا كما هو دافع للسند مثبت للمطلوب أيضا فإن الموجود الظاهر من جهة آثاره لا يجوز أن ينكر وجوده عاقل، ألا ترى أن من أنكر وجود المصوت والمتكلم عند سماع الصوت والكلام من مسافة بعيدة ينسب إلى السفه والجنون وإنما قلت يحتمل ذلك لأنه يحتمل أيضا أن يكون قياسا استثنائيا لإثبات أنه ليس بموجود، تقريره أنه لو كان موجودا لظهر ولم يحتجب وإذا قد احتجب ولم يظهر علم أنه ليس بموجود فمنع (عليه السلام) بطلان التالي وأشار إلى ظهوره بظهور آثاره وأفعاله الاختيارية المحكمة المتقنة التابعة لقدرته الكاملة هذا إذا أراد الزنديق بلزوم ظهوره على تقدير وجوده لزوم ظهوره في الجملة.
وأما إن أراد به لزوم ظهوره ذاته بذاته بمعنى تجليها لكل أحد أو بمعنى رؤيتها ومشاهدتها بالعين فجوابه (عليه السلام) راجع إلى منع الشرطية بأن اللازم على تقدير وجوده هو ظهوره وجوده بالآثار لا بما ذكر لأن رؤيته محال وتجلى الذات لا يحصل إلا للعارفين البالغين حد الكمال لانهم يعرفون الحق بالحق لا بالخلق وأما القاصرون فظهوره لهم إنما يحصل بظهور آثاره وربما يرشد إليه قوله (عليه السلام) «وكيف احتجب عنك» (نشوك ولم تكن) النشو مصدر نشأ نشوا ونشوءا على فعل وفعول إذا خرج وابتدأ وهو منصوب على أنه بدل من قدرته أو مرفوع على أنه خبر مبتدء محذوف يعود إليها وهو هي يعني من آثار قدرته في نفسك هي وجودك بعد العدم مع ما فيك من الأعضاء والجوارح والعروق والقوى وغيرها ومتى تأملت فيها وفي ترتيبها ووضعها ومنافعها التي لا تعد ولا تحصى علمت أن ذلك ليس من قبل ذاتك (1) المعراة عن الوجود في نفسها ولا من قبل وجودك لضرورة أن المعدوم لا يوجد شيئا سيما نفسه وأن الوجود قبل تحققه ليس علة لنفسه ولا لانضمامه إلى غيره وأيقنت أنه من مبدء مباين قادر يفعل بقدرته وإرادته ما يشاء وإلى هذا أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «من عرف نفسه فقد عرف ربه» يعني (2): عرف ربه بضد ما عرف به نفسه لا بمثله لامتناع

1 - بل معنى الحديث أن هذه الأحوال المختلفة تدل على عدم كونها من النور والظلمة لأن أحدهما إذا غلب غلب بجميع مظاهره على ما يأتي إنشاء الله. (ش) 2 - هذا الخبر نقله العلامة المجلسي (رحمه الله) في المجلد الرابع عشر من البحار ص 415 نقلا عن كتاب «الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس والروح» تأليف الشيخ الفاضل الرضي علي بن يونس العاملي (رحمه الله) والكتاب بتمامه أورده العلامة المجلسي في هذا المجلد من ص 412 إلى 416.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»
الفهرست