الفاعل المختار القاهر على الممكنات يفعل فيها ما يشاء كيف يشاء ثم شرع في إثباته تعالى بدليل آخر وقال:
(يا أخا أهل مصر لم السماء) على عظمة حجمها ومقدارها (مرفوعة) على بعد مخصوص لا يزيد ولا ينقص (والأرض موضوعة) في حاق وسط السماء على بعد معين بينهما مع اشتراكهما في الجسمية المقتضية للتحيز فرفع إحداهما ووضع الأخرى دل على وجود قادر قاهر لهما على ذلك، فإن قيل. طبع السماء يقتضي الرفع وطبع الأرض يقتضي الوضع، قلنا: الرفع والوضع يتصوران على أنحاء مختلفة ووجوه متباينة فاختصاصهما، بهذا الرفع والوضع المخصوصين لا بد أن يكون مستندا إلى الغير على أن اقتضاء طبعهما ذلك لا بد أن يكون من الغير وهو المبدء الغالب على الأشياء (لم لا تسقط السماء) بالحركة المستقيمة أو مع الحركة الدورية التي لها في نفس الأمر (على الأرض) إذ الحركة المستقيمة لا تنافي الحركة الدورية وما ذكره الفلاسفة من امتناع حركة السماء على الاستقامة (1) فهو ممنوع لم يقم عليه برهان.
(لم لا تنحدر الأرض فوق طباقها) تقول حدرت السفينة أحدرها إذا أرسلتها إلى أسفل والانحدار الانهباط وطباق الأرض طبقاتها التي بعضها فوق بعض، المراد بفوق طباقها الطبقة الفوقانية المكشوفة التي هي مسكن للحيوانات المتنفسة، يعني لم لا تنحدر الأرض إلى الماء من فوق طباقها أو لم لا ينحدر فوق طباقها على أن يكون فوق طباقها بدلا من الأرض، ويحتمل أن يراد بطباقها ما يحيط بها من العناصر والأفلاك يعني لم لا تنحدر الأرض فوق العناصر بل إلى فوق الأفلاك أيضا وإرجاع ضمير طباقها إلى السماء أيضا محتمل والمراد بالطباق حينئذ طبقات السماوات وإطلاق لفظ الانحدار على حركة الأرض إلى صوب المحيط صحيح لأن حركتها من المركز إلى المحيط في سمت أقدامنا انحدار وهبوط بالنظر إلينا وصعود بالنظر إلى من يقابلنا (فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليها) (2) في بعض النسخ ولا يتماسكان بالواو وهي للحال عن