وذلك لزعمه أن غور ما عليه صاحبه حق وغور خلافه باطل ويحتمل أن يكون أمرا من سممت سمتك أي قصدت قصدك أو من سممت بينهما سما أي أصلحت والهاء حينئذ للوقف، يعني اقصد مالك وعليك وتكلم فيهما على بصيرة ومعرفة أو أصلح بينهما بقدر الإمكان لئلا تصير مغلوبا محجوجا، ونقل عن بعض الأفاضل ولعله الفاضل الأسترآبادي أنه أمر من شم يشم بالشين المعجمة يقال: شاممت فلانا إذا قاربته لتعرف ما عنده بالكشف والاختبار، والضمير عايد إلى الشيخ وما استفهامية أي قاربه لتعرف مالك وما عليك من أنواع الكلام والمناظرة، أقول في نهاية ابن الأثير ما يؤيد هذا الاحتمال قال في: حديث علي (عليه السلام) حين أراد أن يبرز لعمرو بن عبد ود قال:
أخرج إليه فاشاممه قبل اللقاء أي أختبره وأنظر ما عنده بالاختبار والكشف وهي مفاعلة من الشم كأنك تشم ما عنده ويشم ما عندك لتعملا بمقتضي ذلك. وقال بعض الأصحاب: هو على وزن عدة بمعنى أثر الكي في الحيوان معطوفة على عقال مضاف إلي الموصول والمعنى فيسلمك إلى عار مالك وعليك.
(قال: فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين، فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع) الويل: الحزن والهلاك وقد يرد بمعنى التعجب وهو إذا لم يضف يجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب على إضمار الفعل وإذا أضيف لا يجوز فيه إلا النصب (ما هذا ببشر) لأن ماله من الكلام الرايق والكمال الفائق غير معهود للبشر (وإن كان في الدنيا روحاني) الروحاني بضم الراء وفتحها منسوب إلى الروح أو الروح والألف والنون من زيادات النسب أي إن كان في الدنيا جسم لطيف لا يدركه البصر أو ملك كريم (يتجسد إذا شاء ظاهرا) أي يصير ذا جسد وبدن إذا أراد ظاهرا يدرك بالأبصار (ويتروح إذا شاء باطنا) أي يصير روحا صرفا بلا جسد إذا أراد باطنا لا يدرك بالأبصار فقوله ظاهرا وباطنا مفعول المشية (فهو هذا) أي فذلك الروحاني هو هذا الشيخ الذي وصفته بما وصفته.
(فقال له: وكيف ذلك؟ قال: جلست إليه) أي جلست متوجها إليه وبين يديه (فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني) بالكلام وسبقني قبل أن أتكلم (فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون يعني أهل الطواف فقد سلموا وعطبتم) العطب بالتحريك الهلاك وقد عطب بالكسر إذا هلك أي فقد سلموا من الآفات وخلصوا من العقوبات وهلكتم في الدنيا بموت نفوسكم بالأمراض القلبية وفي الآخرة بالعقوبات الأخروية (وإن يكن الأمر على ما تقولون - وليس كما تقولون - فقد استويتم وهم) في السلامة ولا يضرهم صلاتهم وصومهم وطوافهم وسائر ما يفعلون من العبادات، وإنما بنى الكلام على صورة الشك لقصد سياقه على نحو لا ينافي كثيرا