شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٣٤
شيء معه مستبعد لتوهمه أن له مكانا بناء على أن الف النفس بالمتحيزات والمحسوسات أعجز عن إدراك شيء بلا تحيز ولا مكان ولم يعلم أن المكان أيضا شيء وليس له مكان فخالق المكان أولى أن لا يكون له مكان ويحتمل أنه كان عالما بأنه لا مكان له تعالى ولكن سأل عن ذلك ليعلم سر ذلك ويهتدي إلى طريق المناظرة مع المخالفين.
(قال: وكان متكئا فاستوى جالسا) دل على عدم قبح اتكاء المعلم عند المتعلم ولعل سبب الاستواء هو عروض التغير والاضطراب له من استماع هذا الكلام.
(وقال أحلت يا زرارة) أي تكلمت بالكلام المحال وهو الذي ليس له وجه صحة أصلا (وسألت عن المكان إذ لا مكان) (1) لأن المكان سواء كان بالمعنى اللغوي كالأرض للسرير، أو

١ - قوله «عن المكان إذ لا مكان» يحتمل أن يكون المراد بالمعنى اللغوي أعني ما يعتمد عليه الشيء وهو بعيدا والمكان المصطلح عند الخواص وهو ما يتبدل على الجسم عند الحركة وهو أوضح والفرق أن السهم المرمى والطائر وكل ما لا يعتمد على شيء ليس له مكان بالمعنى الأول وله مكان بالمعنى الثاني وقد مر حديث ابن ميثم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في اختلاف زرارة وهشام بن الحكم في الهواء أنه مخلوق أو غير مخلوق وأن أبا عبد الله (عليه السلام) جعل اختلافهم مما لا يضر بالدين وفي هذا الحديث دلالة على قول زرارة وأن الفضاء أو المكان مخلوق وكان الله تعالى ولا مكان ثم خلق المكان. وأعلم أن الحكماء اختلفوا في ماهية المكان فالمحققون منهم أنه السطح الحاوي المماس للمتمكن وزعم بعضهم أنه الفضاء الذي يشغله الجسم بحيث لو لم يكن الجسم فيه لكان خاليا ويسمونه البعد المفطور، على الأول هو مخلوق بخلق الأجسام ولو لم يكن جسم في العالم لم يكن فضاء ومكان أصلا وعلى الثاني هو غير مخلوق عند قائليه إذ لا يتصورون إمكان عدمه وكل ما لا يحتمل عدمه فهو واجب الوجود وإنما جعل الصادق (عليه السلام) خلافهم مما لا يضر بالدين مع أن إثبات واجب غير الله تعالى ينافي التوحيد الثابت في كل دين إلهي لأن هؤلاء يعتقدون أن الفضاء الخالي لا شيء ولا يلتزمون بأنهم أثبتوا شريكا في القدم وليس لزوم الشرك بديهيا ولا هو من اللوازم البينة لثبوت الخلاء وفهم بطلان الخلاء صعب على ذهن الأكثرين وتكليفهم به تكليف بما لا يطاق، فالحق أن المكان مخلوق كما في هذا الحديث، وإن كان قول مثبتي الخلاء مما لا يضر بالدين، ثم أن القائلين بالخلاء لتزمون بأمور عجيبة الأول ان الفضاء الخالي غير متناه وهذا فرع كونه واجب الوجود فإن الحكم بكون الشيء غير متناه في العظم من غير أن يحس به أو يدل عليه دليل باطل ألا ترى أنه لا يمكن أن يحكم أحد بأن جسما كقطعة حجر أو تراب أو سلسلة حديد غير متناه من الجانب الذي لا يلينا ولا نراه ولكن يحكم بأن الخلاء غير متناه فيعلم بذلك أن الخلاء في ذاته واجب الوجود عندهم لا يحتمل عدمه حتى يحتاج وجوده إلى الاثبات وقد يلهج أهل زماننا بأنه قد ثبت الخلاء وعدم التناهي ولم نقف على دليل مثبت بل لم نقف فيهم على من فهم معنى الدليل ويميز بين الثابت وغير الثابت.
الثاني من العجائب أنهم يلتزمون بأن الخلاء لا شيء ومع ذلك يتأثر بأمواج النور والكهرباء ويجعلون الواسطة في إيصال نور الشمس والقمر والكواكب إلينا أثير الخلاء ويقولون إذا سطع نور الشمس حدث في الأثير تموج نظير تموج الماء بسقوط حجر فيه فينقل الموج سريعا من الشمس إلى الأرض مثلا وهو النور ولا أدري أن اللا شيء كيف يتموج وينفعل.
الثالث أنهم لا يجوزون على الخلاء أو على أثير الخلاء الخرق والالتيام والتنحي والحركة فإذا تحرك كرة من هذه الكرات في الفضاء الخالي خرج من مكان ودخل إلى مكان مستمرا والمكان باق ثم يقولون إن أوجدنا الخلاء في إناء مسدود ونقلناه من مكان إلى آخر انتقل الخلاء الذي في الإناء من مكانه فيلزم إثبات خلاين متطابقين أحدهما ينقل بنقل الإناء والآخر لا ينقل، وإن فرضنا عدة أواني صغار وكبار كل واحد في الآخر وأوجدنا الخلاء في الجميع وتحرك الأول في الثاني والثاني في الثالث وهكذا وحركت الجميع في الخلاء يتعدد الخلاء بتعدد الأواني واختلاف الحركات فاحدس من ذلك أن الخلاء الذي يتوهمونه أمر اعتباري يتعدد بتعدد الاعتبارات، نظير الفوق والسفل ويتوهم خلاء في خلاء في خلاء كما يتوهم فوق على فوق على فوق، وأما من يلتزم بأن الفضاء مملوء من الأثير المتموج كما قلنا فهو منكر للخلاء البتة والأثير عندهم بمنزلة الأجسام الفلكية التي كان يعتقد بها القدماء. (ش)
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»
الفهرست