شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١١٦
وإن كان متأخرا عن عدمها ومتقدما عن ذهابها وفنائها كما أن وقت الإنشاء متأخر عن وقت عدمه ومتقدم على وقت ذهابه وفنائه لتحقق الترتيب والتقدم والتأخر والتوسط بين أجزاء الزمان بالذات وبين الزمانيات بالعرض إلا أن نسبته تعالى إلى المتقدم والمتأخر والمتوسط من الزمان والزمانيات نسبة واحدة لا يصلح أن يتعرض لها بالنظر إليه قبلية وبعدية وحالية وماضوية واستقبالية لأن هذه الأمور تلحق الزمان لذاته والزمانيات بتوسطه وقد ثبت أنه تعالى منزه عن الزمان ولواحقه فلا يجري فيه شيء من لواحقه ولا يجوز أن يقال: نسبته إلى الأزل متقدمة على نسبته إلى الأبد ونسبته إلى وقت إنشاء الملك متأخرة عن نسبته إلى ما قبل ذلك الوقت ومتقدمة على ما بعده، وكذا لا يجوز أن يقال كونه مالك، الملك حصل له حين إنشائه ولم يكن له قبله ولا بعد ذهابه ولا أن يقال كونه عالما بالملك محيطا به لم يكن قبل إنشائه ولا بعد ذهابه بل الأشياء كلها كلياتها وجزئياتها حاضرة بذواتها وصفاتها عنده أزلا وأبدا لا باعتبار أنها كانت قديمة لبطلان ذلك بل باعتبار أنه لا يجري فيه عز وجل الزمان وأحكامه إلا أن الوهم لألفه بالمحسوسات وانسه بالزمانيات يتأبى عن قبول ذلك ويتخيل أن الشيء كيف يكون حاضرا عنده قبل كونه. قياسا له تعالى بخلقه فأن ما حضر عندنا الآن لم يكن حاضرا عندنا في الزمان السابق فيتخلف نسبته إلينا ونسبتنا إليه بالتقدم والتأخر والحضور وعدمه، وأما العقل الصريح والذهن الصحيح إذا عري عن شبهات الأوهام وجرد الباري عن توابع الإمكان ولواحق الزمان ولاحظ أنه لا امتداد في جانب قدس الحق (1) وأن الامتداد إنما هو في هذا العالم يحكم حكما جازما بأنه تعالى عالم قادر مالك قاهر قبل إيجاد الخلق وبعده وبعد إفنائه بلا تغير ولا تبدل ولا انتقال من حال إلى حال، ويمكن أن يقال: المراد من لفظ الملك في قوله (عليه السلام) «ولا يكون خلوا من الملك قبل إنشائه» السلطنة ومن ضميره الخلق والمملوك على سبيل الاستخدام والمقصود أنه لا يخلو من السلطنة قبل إيجاد الخلق إذ سلطنته بعلمه وقدرته على الممكنات عند أصحاب العصمة (عليه السلام) سواء أوجد الممكنات أو لا.
(لم يزل حيا بلا حياة) قائمة بذاته وفيه تنزيه لحياته عن التشابه بحياة خلقه فإن حياة خلقه صفة زائدة على ذواتهم منشأ لعلمهم وقدرتهم، وأما حياته تعالى بعين ذاته باعتبار أنه يصدر عنه

1 - قوله «لا امتداد في جانب قدس الحق» أي لو فرضنا أنه تعالى موجود بدون الخلق لم يتصور امتداد حتى يتصور زمان. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) «سبق الأوقات كونه والعدم وجوده» وقد شبه بعض علمائنا تساوي نسبة جميع الأزمان إليه تعالى بخيط مختلف اللون تمشي عليه نملة ولا يدرك لونا إلا بعد الوصول إليه وأما الإنسان المشرف على الخيط فيدركه بألوانه مرة واحدة فالماضي والحال والاستقبال بالنسبة إليه تعالى سواء في إحاطته وقدرته وملكه. (ش)
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»
الفهرست