لأن أصل التقصير في الحق ورطة وهلكة أو لانه مستلزم لوقوعه في ضد الحق أعني الباطل أو المراد من سبق إلى دواعي النفوس وجاوز الحد في متابعة القوى النفسانية فقد وقع في الهلكة.
(ومن خاف العاقبة تثبت عن التوغل فيما لا يعلم) تثبت ماض من التثبت أو مضارع من الثبات، والوغول الدخول وأوغل في السير وتوغل إذا أسرع فيه وأمعن، يعني من خاف سوء العاقبة ولومها تثبت عن الدخول فيما لا يعلمه وعن الإسراع في التكلم فيه والاعتقاد به، ومن علامة العاقل السكوت في الشبهات فإن مفاسد النطق بها كثيرا جدا وفي الحديث «من تورط في الأمور غير ناظر للعواقب فقد تعرض لمفضحات النوائب» (ومن هجم على أمر بغير علم فقد جدع أنف نفسه) الجدع بالجيم والدال المهملة قطع الانف وقطع اليد وقطع الشفة تقول منه جدعته فهو أجدع وجدع أنف النفس المجردة اما كناية عن أزالة سعاداتها الأبدية بالجهل أو كناية عن تحقيرها وإذلالها يعني من دخل في أمر بغير علم بذلك فقد استحقر نفسه واستصغرها ووسمها بسمة الحقارة والرذالة والهلاك عند الخالق والخلق جميعا، ومثله مثل الفراش تتساقط من جهلها في نار المصباح يتوهم أنها كوة يستضىء منها النور فيقصدون الخروج منها فيحترقن، ثم بين (عليه السلام) فضل العلم وشرفه بقياس مفصول النتايج بقوله (ومن لم يعلم لم يفهم، ومن لم يفهم لم يسلم) أي من لم يعلم الحسن والقبيح لم يفهمها ولم يميز بينهما ومن لم يميز بينهما لم يسلم من ارتكاب القبيح والتعرض له (ومن لم يسلم لم يكرم) معلوم من كرم أي من لم يسلم عن القبيح لم يكن شريفا نجيبا فاضلا، أو مجهول من أكرم أي لم يكن معززا مكرما معدودا من كرام الناس بل مخذولا مهانا (ومن لم يكرم يهضم) في أكثر النسخ يهضم من الثلاثي المجرد، وفي بعضها تهضم من باب النفعل وفي القاموس هضم فلانا ظلمه وغضبه كاهتضمه وتهضمه، وفي الصحاح هضمت الشئ كسرته، يقال: هضمه حقه واهتضمه وتهضمه إذا ظلمه وكسر عليه حقه ورجل هضيم ومتهضم أي مظلوم، ثم الفعل الأول إن كان مبنيا للفاعل كان الثاني أيضا كذلك على الظاهر في النسختين جميعا لأن الموصول هو الذي يكسر نفسه ويذلها ويظلمها بسبب عدم اكتساب كرامتها وشرافتها وإن كان مبنيا للمفعول كان الثاني أيضا كذلك لأن المكاسر عزه والمذل له حينئذ غيره.
(ومن يهضم كان ألوم) أي أكثر استحقاقا ولوما مما تقدم (ومن كان ذلك) أي ألوم (كان أحرى أن يندم) على ما ساقه إلى الملومية من التوغل فيما لا يعلم أو من الهجوم على أمر بغير علم أو من جميع ما تقدم. واعلم أن هذه المقدمات إذا اعتبرت انتاجها تنتج «فمن لم يعلم كان أحرى أن يندم» أما المقدمة الأولى فلان الفهم وهو ملكة الانتقال كما عرفت مرارا مستلزم للعلم ومتوقف عليه وانتفاء اللازم مستلزم لانتفاء الملزوم، وأما الثانية فلأن السلامة عن الرذايل النفسانية متوقفة على