شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣١٨
والصدق من الكذب والعلم من الشبهة ولو وجب القبول منهم من غير حزم ولم يجز نسبة السوء إليهم لوقع الهرج والمرج وبطل الدين ورجع كما كان قبل البعثة، ولذلك قال الله تعالى (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وقال (لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم) وبالجملة الحزم يوجب أن يبنى الحال أولا على جواز السوء منهم حتى يتبين له الحق ويحصل الإذعان به، وفيه تنبيه على أنه لا ينبغي متابعة الغير في أمر من الأمور مع تجويز كون ذلك الأمر خطأ، بل لابد من كمال الاحتياط فيه، وإنما قلنا على جواز السوء منهم لأنه الذي يقتضيه الحزم والاحتياط فلا ينافي ما ورد من النهي عن مساءة الظن بالخلق لأن ما ذكرناه من باب التجويز العقلي المناسب للحزم وما ورد النهي عنه من باب الاعتقاد الفاسد والقول بالشيء رجما بالغيب.
(وبين المرء والحكمة نعمة العالم) «نعمة» بالتنوين والعالم بيان لها أو بالإضافة للبيان أو بتقدير اللام، ولعل المقصود أن بين المرء العاقل والحكمة نعمة العالم هي إرشاده وهدايته الموصلة إليها وتخليصه من ظلمات الأوهام وتثبيته من مزال الأقدام وتسديده في مواضع أغاليط الأفهام وتعليمه كيفية السلوك في طرق المطالب وتقويته للوصول إلى دقايق الحكمة في أعلى المراتب (والجاهل شقي بينهما) أي بين الحكمة ونعمة العالم يعني لا ينفعه سعي العالم وإرشاده وهدايته وتعليمه وتفهيمه وتسديده كل ذلك لشقاوته الذاتية ودناءته الطبيعية وظلمته النفسية وكدورته الذهنية، واحتمال عود ضمير التثنية إلى الجاهل والحكمة يعني كما أن بين العاقل والحكمة عالم رباني يهديه إليها كذلك بين الجاهل والحكمة شقي يضله عنها بعيد، وفيه دلالة على أن العقول البشرية وإن كانت قابلة لإدراك الحكمة والعلوم فهي تحتاج إلى توسط أستاذ هو عقل العالم وإرشاده. لأنها مع هذا الوسط تصير نورا على نور فتدرك الحقايق كما هي وتأمن من الغلط ثم إن هذا العالم يحتاج إلى عالم رباني إلى أن نتهى إلى عالم بالذات لا يحتاج في علمه إلى غيره أصلا وهو الله تعالى شأنه ونظير ذلك أن نور البصر في إدراكه يحتاج إلى توسط نور الشمس أو نور المصباح أو غيرهما فإنه حينئذ يصير نورا على نور يدرك المبصرات على ما ينبغي، والروايات الدالة على اعتبار ذلك الوسط كثيرة جدا منها «من أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل» (1) وعلى أن الجاهل الفاقد للبصيرة لا ينفعه توسط العالم وإرشاده أو على أن له قرينا شقيا يضله عن طريق الحكمة «ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين».
ولشرح هذه العبارة أقوال أخر نحن نشير إلى بعضها إجمالا ليحصل لك الإحاطة بجهات الكلام فنقول: قال بعض الأفاضل: المقصود منها أن المرء من لدن عقله وتمييزه إلى بلوغه حد الحكمة

١ - في الاختصاص ص ٢٢١ هكذا «من أعجب بنفسه هلك ومن أعجب برأيه هلك».
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»
الفهرست