شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣٢٢
الفهم والتمييز بينها وبين فضايلها فينتفي بانتفائه، وأما الثالثة فلأن كرامة النفس وشرافتها وعلو منزلتها فرع لسلامتها عن الرذايل والمقابح وانتفاء الأصل مستلزم لانتفاء الفرع، وأما الرابعة فلأن عدم إكرام أحد وتعظيمه بسبب لهضمه وكسره واحتقاره وإذلاله، وأما الخامسة فلأن هضم أحد وإذلاله مستلزم لرداءته ولومه وعذله، وألوم بمعنى اسم المفعول وسبب الزيادة ظاهر إذ الإذلال لا يساوقه شئ من الاضرار، وأما السادسة فلأن لوم أحد بجهالته وعذله برداءته على وجه المبالغة من أقوى الأسباب لندامته على سوء أحواله وقبح أوضاعه وأفعاله.
* الأصل:
30 - «محمد بن يحيى رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واغتفرت فقد ما سواها ولا أغتفر فقد عقل ولا دين، لأن مفارقة الدين مفارقة الأمن فلا يتهنأ بحياة مع مخافة، وفقد العقل فقد الحياة ولا يقاس إلا بالأموات».
* الشرح:
(محمد بن يحيى رفعه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير) أي صارت محكمة يعني ملكة راسخة، والمراد من خصال الخير فضائل النفس وأخلاقها مثل العفة والسخاوة والحلم وغيرها مما عرفته آنفا وستعرفه فيما بعد ومما هو مذكور في كتاب الأخلاق وقوله «لي» على تضمين معنى الثبوت أو الظهور أي ثابتا لي ذلك، أو ظاهرا عندي، أو على معناه لأجلي يعني لأجل إعانتي في إنجائه من العقوبات وهذا نظير ما قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): «اضمن لي الجنة فقال: أعني بكثرة السجود» (1) (احتملته عليها واغتفرت فقد ما سواها) أي أعنته على تلك الخصلة ورضيت باحتماله وقبلتها منه ورفعت بها قدره في الآخرة وتجاوزت عن فقد ما سواها وسترته ولم آخذه به (ولا اغتفر فقد عقل ولا دين) ليس المراد بالعقل هنا العقل الهيولاني الذي به يفارق الإنسان ساير الحيوانات لأنه موجود في الجميع ولو فقد في البعض ففقده ليس باختياره بل المراد به العقل الذي له ملكة إدراك المعارف الإلهية وهو الذي يسمونه عقلا بالفعل، والمراد بالدين معرفة الشرايع الصادرة بواسطة الرسول وإطاعته في الأمر والنهي وغيرهما، يعني لا أغتفر فقد عقل فقط ولا أتجاوز عن التقصير فيه وإن كان له دين ولا فقد دين فقط وإن كان له عقل سواء كان الفاقد لهما موصوفا بجميع خصال الخير أولا (لأن مفارقة الأمن) لأن الأمن من العذاب والوقوع في الباطل إنما يحصل باتباع الرسول وإطاعته لأن قوله قول الله وأمره أمر الله وقد بعثهم على الناس ليجذبهم عما يميلون إليه من اتباع الشهوات الباطلة واقتناء اللذات الزايلة بتذكيرهم لما أعطاهم الله من نعمه الجسيمة ومننه

1 - أخرجه مسلم في صحيحه ج 2 ص 52 باب فضل السجود والحث عليه.
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»
الفهرست