القلبي الحاصل بالبرهان القطعي (قوما لا بأس بهم عندنا) معاشر الإمامية في أفعالهم وأعمالهم الظاهرة الموافقة لمذهبنا وليست لهم تلك العقول التي هي مشكاة الهداية في ظلمات الطبايع البشرية ومصباح الدراية في شبهات الأوهام الطبيعية (فقال ليس هؤلاء ممن خاطب الله تبارك وتعالى) بالارتفاع إلى المعارج العلية (1) والاهتداء إلى المعارف الربوبية والقيام بالسياسة المدنية والرياسة العقلية والشرعية وإنما هم جماعة يجري عليهم أحكام صاحب السياسة ومالك زمام الرياسة بأنحاء التعذيب وأنواع التأديب ليتم صلاحهم وصلاح بني نوعهم ويحصل لهم بذلك حياة الدنيا ونجاة الآخرة وبما ذكرنا لا يرد أن قول السائل «لا بأس بهم عندنا» دل على أن لهم العقل الذي هو مناط التكليف والخطاب بالأحكام وقوله (عليه السلام): «ليس هؤلاء ممن خاطب الله» دل على أن ليس لهم هذا العقل فبين السؤال والجواب منافاة في الجملة ووجه عدم الورود أن للعقل مراتب متفاوتة وأدنى مراتبه وما هو مناط التكليف بظواهر الأعمال والأفعال الشرعية التي يحصل به صلاح الخلق في الدنيا ونجاتهم في الآخرة.
وأعلاها ما هو مناط الفوز بأعلى المقامات الممكنة لقوة البشرية والمتصف به هو خاص الخاص والمتوسطات متوسطات، والثابت لهم هو أدنى المراتب، والمنفي عنهم ما سواها ويرشد إليه أيضا قول السائل: «وليست لهم تلك العقول» فإن «تلك» للإشارة إلى البعيد وفيها دلالة على أن العقل المسلوب عنهم هو الواقع في الدرجات العالية، والغرض من هذا السؤال هو استعلام حالهم أيعبؤ بهم أم لا فأشار (عليه السلام) بقوله «ليس هؤلاء ممن خاطب الله» إلى أنه لا يعبؤ بهم إلا أنه أقام السبب موقع المسبب (إن الله خلق العقل) وهو نور محض وضوء صرف ما شابه أرجاس الأوهام وأخباث الظلام، وهذا تعليل للسابق وبيان له ولذا ترك العاطف (فقال له أقبل فأقبل، وقال له: أدبر فأدبر، فقال وعزتي ما خلقت شيئا أحسن منك، أو أحب إلي منك) الترديد من الراوي لعدم ضبط اللفظ المسموع بخصوصه (بك آخذ) أي بسبك اعاقب بالبعد عن مقام القرب والاحسان وبالحبس في سجون الطبايع والنسيان، وهذه المرتبة سماها مرتبة المسخ بعض أهل العرفان، أو بسببك أقبل