شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣٢٣
العظيمة وترغيبهم فيما أعده لأوليائه وتحريصهم على ما قرره لأصفيائه وإشارتهم إلى الدرجات الرفيعة وإرشادهم إلى المقام العلية بالمقدمات اللامعة والبراهين الساطعة، فمن تبعه أمن من الكفر والعذاب وخلص من الباطلة والعقاب، ومن فارقه ولم يتمسك بدينه ولم يعمل بقوانينه واتبع رأيه الفاسد المستند إلى النفس الأمارة أو جاهلا يتكلم في الدين بغير بصيرة ولا يقين فقد فارق الأمن وتصدى للبطالة والغواية وأورد نفسه مورد الضلالة والمخافة لعدم علمه بإصابة رأيه ورأي ذلك الجاهل المتبوع فلا يأمن من الكفر والخروج من الدين في هذه النشأة ولا من العقاب في النشأة الآخرة.
(فلا يتهنأ بحياة مع مخافة) في المصادر التهنؤ «گوارنده شدن» وفي الصحاح والنهاية هنأني الطعام يهنئني ويهنأني وهنئت الطعام أي تهنأت به فالفعل على الأول مبنى للفاعل وحياة فاعله والباء زائدة وكذا على الثاني وفاعله ضمير لفاقد الدين والباء للتعدية ولعل المراد بالحياة الحياة الدنيوية وتكدرها بالمخافة الناشية من مفارقة الدين ومن العقل والعلم في الجملة ظاهر وكيف يكون فاقد الدين وهو عالم آمنا سعيدا، ومتى يكون عيشه وحياته طيبا رغيدا مع علمه بأن له في كل قدم خطرا عظيما وفي الآخرة عذابا أليما وأما الجاهل الفاقد له، فإنه وإن كان أيضا هالكا ضالا لكن لجهله لا يشعر بالخوف التابع للعلم ومثلهما مثل رجلين مسافرين في مفازة مخوفة عميقة إلى شقة بعيدة وتركا طريق الأمن الموصل إليها وسلكا طريقا آخر فيه أنحاء من الفساد والضرر وأنواع من الخوف والخطر، ويعلم أحدهما أحوال هذا الطريق دون الآخر فإن العالم بها حياته مكدرة وعيشه منغصة وربما يضطره مخافة الهلاك إلى ترك الشراب والطعام واعتزاله عن فراش الاستراحة والمنام، وأما الجاهل بها فإنه فارغ عن هذا الخوف والاضطراب وإن كان مشاركا له في الهلاك عند نزول العذاب، أو المراد بالحياة الحياة المعنوية القلبية وهي العلم الإجمالي بالله تعالى وبكتابه وبرسوله وحقية شرايعه ودينه إلا أنه رجع في تفصيله إلى رأيه أو إلى جاهل متصنع بالعلم التفصيلي ولم يسمعه من الرسول أو ممن يقوم مقامه كما هو شأن مخالفينا ولا ريب في أن حياته هذه مكدرة ناقصة لا تنفعه مع مخافة أن يخرج في أصول القواعد الشرعية أو فروعها عن منهج الدين أو مع مخافة أن تزول عنه هذه الحياة بتسويلات الشياطين.
(وفقد العقل فقد الحياة) لأن الحياة التي يجب صرف العمر في حفظها وتكميلها ووردت الشرايع والكتب الإلهية بالأمر بتحصيلها هي استكمال النفس بالحقايق والمعارف والعلوم النافعة في الآخرة فمن تحلى نفسه بها وصار عقله عاقلا بالفعل فهو حي حقيقة في الدنيا والآخرة ومن تخلى نفسه عن هذه المعارف والكمالات وغطى عقله بأغطية الرذايل والجهالات فهو معدود بلسان
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست