شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣١٩
متنعم بنعمة العلم ونعيم العلماء فإنه لا يزال في نعمة من أغذية العلوم وفواكه المعارف فان معرفة الحضرة الالهية لروضة فيها عين جارية وأشجار مثمرة قطوفها دانية والجاهل بين مبدء أمره ومنتهى عمره في شقاوة عريضة وطول أمل طويل ومعيشة ضنكة وضيق صدر وظلمة قلب إلى قيام ساعته وكشف غطائه وفي الآخرة عذاب شديد. وقال بعضهم: المراد أن ما أنعم الله تعالى به على العالم من العلم والفهم والصدق على الله واسطة للمرء يوصله إلى الحكمة فإن المرء إذا عرف العالم أتبعه وأخذ منه فيحصل له الحكمة ومعرفة الحق والاقرار به والعمل على وفقه، وهكذا إذا عرف حال الجاهل وأنه غير عالم فهم صادق على الله يترك متابعته والأخذ منه ويسعى في طلب العالم فيطلع عليه فيأخذ منه فالجاهل باعتبار سوء حاله باعث بعيد لوصول المرء إلى الحكمة فهو شقي محروم يوصل معرفة حالة المرء إلى سعادة الحكمة (والله ولي من عرفه) يعني محبه وناصره والمتكفل لأمره في الدنيا بهدايته إلى الطاعات والخيرات وتثبيت ذهنه على الفضايل والملكات وفي الآخرة بتشريفه بمنازل القرب في أعلى درجات الجنان والاقبال عليه بالإكرام والافضال والاحسان.
(وعدو من تكلفه) أي تكلف العرفان وتصنع به وهو غير عارف وهو أحق بالعداوة من الجاهل الخامل، ومن ثم قيل: النفاق أسوء من الكفر والمراد بعداوته له إبعاده عن الرحمة وترك الافضال عليه ووكوله إلى نفسه حتى تورده مورد الهلاك والخذلان (والعاقل غفور) أي مصلح لأمره من قولهم غفروا هذا الأمر أي أصلحوه بما ينبغي أن يصلح، أو ساتر لذنوب إخوانه وعيوبهم ومتجاوز من خطاياهم وإساءتهم من الغفر بمعنى التغطية، وذلك لعلمه بما في الغفران من الأجر الجميل والثواب الجزيل، ولأنه قريب من الله تعالى ومتخلق بأخلاقه ومن أخلاقه الكريمة غفران الذنوب وستر العيوب والتجاوز عن السيئات وإن صدر عنه المؤاخذة والكشف في بعض الأحيان لمصلحة لا يسلب عنه هذا الاسم كما في الواجب (والجاهل ختور) أي خبيث النفس كثير الغدر والخدعة بالناس لأنه فاقد للبصاير الذهنية وعادم للفضائل العقلية وحامل للرذايل الشيطانية فيظن أن الغدر والحيل والمكر والختل وكشف العيوب والذنوب وسوء المعاملة مع الناس خير له في تحصيل منافعه ومطالبه وتيسير مقاصده ومآربه وإنما أتى بصيغة المبالغة للاشعار بان الفعل مع وجود دواعيه وعدم موانعه يصدر على وجه الكمال (وإن شئت أن تكرم فلن) تكرم على البناء للمفعول أي إن شئت أن تكون كريما وشريفا حسنا خيارا عند الخالق والخلائق فلن للناس في الكلام والسلام واخفض لهم جناحك عند اللقاء فإن من لأن جانبه كثر أعوانه وأنصاره، ومن كثر أنصاره كان مكرما شريفا (وإن شئت أن تهان فاخشن) تهان على البناء للمفعول من الإهانة وهي الاستخفاف والاستحقار، واخشن بضم الشين من الخشونة وهي ضد اللين وقد خشن الرجل
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»
الفهرست