شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٣١٧
للمودة) حسن الخلق هو الاعتدال بين طرفي الافراط والتفريط في القوة الغضبية والشهوية، ومجلبة اسم آلة أو مصدر ميمي والحمل هنا للمبالغة كما في السوابق. يعني أن حسن الخلق مع الناس ومخالطتهم على الوجه الحسن الجميل والتودد لهم والاحتمال منهم والاشفاق عليهم والحلم والصبر وغير ذلك من محاسن الصفات الخلقية يجلب إلى صاحبه محبتهم ودادتهم وصداقتهم وغير ذلك من خير الدنيا والآخرة حتى أن العدو يصير بذلك صديقا شفيقا وقد رغب فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله:
«خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم وإن عشتم حنوا إليكم» (1) (والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) في المغرب الهجوم الاتيان بغتة والدخول من غير استيذان من باب طلب، يقال: هجم عليه. يعني يتعدى بعلى. واللوابس جمع اللابس على غير قياس كالفوارس جمع فارس من اللبس بالضم مصدر لبست الثوب ألبسه أو بالفتح مصدر لبست عليه الأمر ألبسه أي خلطته ومنه قوله تعالى (وللبسنا عليهم ما يلبسون) والتبس عليه الأمر أي اختلط واشتبه أو جمع لبسة; يقال: في الأمر لبسة بالضم أي شبهة ليس بواضح، والمقصود أن العالم بأحوال أبناء زمانه وعاداتهم الفاسدة ورسومهم الكاسدة من إنكار الحقوق واتباع أهواء النفوس وترويج الشرور وإعلان قول الزور لا تهجم عليه اللوابس أي الذين يلبسون الحق بالباطل والنور بالظلمة والأمر الواضح بالشبهة.
ولا يدخلون عليه بغتة وعلى سبيل الغلبة بالتدليسات والتلبيسات ولا يغلبونه بالتخليط وإلقاء الشبهات لعلمه بفساد أقوالهم وأفعالهم وإدراكه بالفراسة والتجربة سوء صنايعهم وقبايح أعمالهم أو المقصود أنه لا يدخل عليه الشبهات، فيه تنبيه على أن الغالب في كل عصر هو إنكار الحق وترويج الكفران، وإفشاء الظلم ونشر الجور والطغيان، كما يعرفه أصحاب القلوب وأرباب العرفان وإذا تحقق ذلك مع طول مدة الإسلام واستقراره في القلوب فلا ينكر تحققه بعد فوت النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يستبعد وقوع ما وقع بعده من خروج أكثر الأمة عن الدين، ولما كان هنا مظنة أن يقال عدم هجوم اللوابس على العالم بأهل زمانه لسوء ظنه بهم وعدم استماعه لأقوالهم ولا اتباعه لآثارهم وأطوارهم إلا بعد الاستظهار فيها والأخذ بالحزم لئلا ينخدع وسوء الظن لا يجوز قال دفعا لذلك (والحزم مساءة الظن) حزم الرجل جودة رأيه وإحكام أمره وضبطه له وأخذه بالثقة والحذر من فواته، والمساء مصدر ميمي ساءه يسوؤه سوءا بالفتح ومساءة نقيض سره والحمل للمبالغة والإضافة إلى الفاعل على الظاهر. يعني جودة الرأي وإحكام الأمر وأخذه بالثقة على وجه لا يقع في الباطل والشبهة يقتضي سوء الظن بهم يعني تجويز السوء منهم والتثبت فيما يأتون به حتى يتبين الحق من الباطل

1 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 9.
(٣١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست