شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٧٢
يقتروا) والتوسط في العبادة بحيث لا يلحق البدن مشقة شديده يتنفر الطبع عنها ولا يتركها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض نفسك عبادة ربك فان المنبت (يعني المفرط) لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما، واحذر حذر من يخاف أن يموت غدا» (1) [والتوسط في جميع الأخلاق بين الافراط والتفريط] والتوسط في معرفته تعالى بين التعطيل والتشبيه والتوسط في الكسب بين الكسالة والجد المانع من الراحة البدنية أو الحقوق الدينية، وبالجملة التوسط في جميع الأمور إلا الذنوب مطلوب ممدوح والعدوان بمعنى التجاوز عن الأوساط إلى طرف التفريط والافراط كما هو شأن الجاهل [الهارب] عن الصراط المستقيم مذموم.
(والراحة وضدها التعب) يعني أن الراحة الروحانية والجسمانية واختيار ما يوجبها من فضائل العقل وجنوده لعلمه بحقارة الدنيا وزهراتها وانصرام زخارفها ولذاتها وانقضاء مصائبها وآفاتها فيرفض الشواغل الدنياوية وينفض الوساوس النفسانية ويترك اللذات الجسمانية فلا يغتم بفوات الأموال والأسباب ولا يهتم بتحصيل المقتنيات والاكتساب، ولا يغتم بغبرة التزلزل والاضطراب، ولا يحسد ولا يبغض ولا يغضب ولا يجادل ولا يماري فهو دائما فارغ البال مرفه الحال، لا نفسه منه في تعب ولا روحه منه في نصب، وأما الجاهل فهو دائما في تعب ومشقة وأبدا في محنة وبلية لاهتمامه بتحصيل المقتنيات وحفظه للرسوم والعادات، واغتمامه بفوات المشتهيات من المطعومات والملبوسات، وارتكابه لأمور شديدة صعبة من المعاملات واحتماله من الاشغال الدنياوية والأثقال الزايلة الفانية ما يتعب نفسه من تحملها أو يعجز، والتجائه في ذلك إلى التحاسد والتباغض مع بني نوعه من أبناء الزمان إلى غير ذلك من الأمور المورثة للحزن والغم والهم والتعب كما هو المعروف من جملة أفراد الإنسان ومنشؤ ذلك استعظام الدنيا واستحقار الآخرة وهم لا يعلمون (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون) فقد ظهر مما ذكرنا أن الراحة من صفات العقل والتعب من صفات الجهل. وأما إعانة كل لصاحبه فظاهرة لأنه نجى المخفون وهلك المثقلون.
(والسهولة وضدها الصعوبة) السهولة اللينة واليسر والذل بالكسر يعني سرعة الانقياد يعني سهولة الطبع في قبول الحق ويسره في قبول الصفات المرضية والأخلاق الحسنة والأطوار

١ - الكافي كتاب الايمان والكفر باب الاقتصاد في العبادة تحت رقم 6. ورواه احمد في مسنده من حديث انس، والبزار من حديث جابر.
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست