يثمر الجهل بما ذكر وتسويل النفس الامارة والافراط في المؤاخذة وتزيينه، وثمرتها الطغيان على الخلق باليد واللسان والتعدي عليهم بالظلم والعدوان ومن علاماته احمرار الوجه والعين وانتفاخ العروق وسر ذلك أن القوة الغضبية إذا تحرك نحو الانتقام واشتعلت نارها في الباطن يغلي به دم القلب كغلي الحميم فينبعث منه الدخان ويرتفع إلى أعالي البدن كما يرتفع في القدر ويصب في الوجه والعين والعروق فيحمر الوجه والعين وينتفخ العروق، ويختل الدماغ الذي هو معدن الفكر في المحسوسات وينطفي نور عقله كما ينطفي ضوء السراج في البيت باستيلاء الدخان عليه، فيظلم بصره وبصيرته بحيث لا يرى شيئا ويسود عليه الدنيا وما فيها ولا يميز بين الحق والباطل والحسن والقبح، ولا يؤثر فيه وعظ ونصيحة، بل قد يبلغ إلى حد يحرق جميع ما يقبل الاحتراق ويفني الرطوبة التي بها بقاء الحياة فيموت صاحبه غيظا وهذه الخصلة من أعظم الخصال الذميمة ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «واحذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود إبليس» (1) وقال الباقر (عليه السلام) «إن الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار، فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان، وأيما رجل غصب على ذي رحم فليدن منه فليمسه فإن الرحم إذا مست سكنت» (2).
(والعلم وضده الجهل) هما وصفان متقابلان ونعمتان متضاد ان للعقل والجهل اللذين كلامنا في جنودهما لأنك قد عرفت أن المراد بالعقل إما القوة العاقلة أو النفس من حيث استعدادها لسلوك طريق الحق وكل واحدة منهما مبدء للعلوم، وبالجهل إما القوة الجاهلة أو النفس من حيث استعدادها لسلوك طريق الباطل وكل واحدة منهما مبدء للجهل المقابل للعلم أعني عدمه ثم للعلم مراتب: الأول الاعتبار (فاعتبروا يا أولي الأبصار) وإليه أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «ومن اعتبر أبصر» الثاني التجلي والانكشاف التام، الثالث الادراك مطلقا، الرابع الادراك المطابق لما في نفس الأمر، كالاعتقاد بالمعارف الإلهية والأحكام الشرعية وهذا القسم قد يجب على الجميع وقد يختلف باختلاف الأشخاص فالذي يجب على الجميع هو العلم بأن الله تعالى واحد حي قديم أزلي إلى غير ذلك من أصول العقائد والعلم بالصلاة والصوم والوضوء والغسل وشرائطها ومفاسدها إلى غير ذلك مما يشترك فيه جميع المتكلمين والذي يجب على البعض هو العلم بأحكام الحج والزكاة للغني والعلم بأحكام العقود للتاجر وكذا من عمل عملا وجب عليه العلم بذلك العمل والعلم من حيث إنه علم ومتعلق بالحق طريق واحد والجهل المقابل له طرق متعددة وإذا وقعت المحاربة بين العقل والجهل