شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٢٥
إبطاء نيلها وبطوء نجاحها وذلك كله معنى الحرض بالضاد المعجمة وهو والحرب بمعنى، هذا محصل كلامه ويمكن دفعه بأن الحرص بالصاد المهملة حالة نفسانية تنشأ من الجهل بالأمور المذكورة المعتبرة في تحقق التوكل أو من ضعف القلب لاستيلاء مرض الوهم عليه فإن الوهم كثيرا ما يعارض اليقين كمن تراه لا يبيت وحده مع ميت وهو يبيت مع جماد مع علمه بأن الميت أيضا جماد وتبعث تلك الحالة على السعي التام في الاكتساب وشدة الاهتمام بجميع الأسباب وصرف العمر والفكر في جمع المال في جميع الأوان كما هو دأب أهل العصر وشأن أبناء الزمان ولا شبهة في أن ذلك لقوة الاعتماد على الكسب والطلب وعدم الاعتماد على الله سبحانه، فالحرص متضمن لأمرين أحدهما المبالغة في الاكتساب والثاني عدم الاعتماد والوثوق بالله سبحانه، فباعتبار الأمر جعل ضدا للقنوع وباعتبار الأمر الثاني جعل ضدا للتوكل فلا يكون جند الجهل أقل من جند العقل إذ الحرص في الموضعين ليس بمعنى واحد ولا يلزم خلاف قول الإمام (عليه السلام)، ولا يرد أنه ليس ضد التوكل في نفس الأمر.
(والرأفة وضده القسوة) قل المازري القسوة ضد اللين; والغلظة ضد الرأفة وكأنه غفل عن معنى القسوة، قال الجوهري قسى قلبه قسوة وقساوة وقساء بالفتح والمد وهو غلظة القلب وشدته، والرأفة حالة نورانية للقلب داعية إلى الخير وحسن الخلق ورقة الوجه وطهارة اللسان وكثرة الحياء والتلطف بالخلق والاجتناب عن المناهي، وضدها حالة ظلمانية له داعية إلى الشر وسوء الخلق وغلظة الوجه وخباثة اللسان وقلة الحياء وايذاء الخلق وركوب المحارم وكشف الأستار والوثوب على الناس في الخصومات، وكل واحدة منهما إما طبيعية وإما كسبية تحصل الأولى بممارسة العلوم والأعمال الصالحة، والثانية بمزاولة الجهل والأعمال القبيحة والمراد هنا هو القسم الثاني.
(والرحمة وضدها الغضب) الرحمة حالة للقلب يثمرها العلم بقباحة الطغيان وشناعة العدوان وسوء عاقبتهما وثمرتها الشفقة على الخلق والتلطف بهم والترحم عليهم والفرق بينها وبين الرأفة كالفرق بين المسبب والسبب فإن الرأفة لينة القلب الموجبة لميله إلى التلطف والشفقة والرحمة نفس هذا الميل وقد خفى هذا الفرق على بعضهم فحكم بأن هاتين الفقرتين متحدتان في المعنى ولم يدر أن الرأفة ليست نفس الرحمة والقسوة ليست نفس الغضب وأن الأولى منهما بمنزلة السبب الثاني وأن الأصل عدم التكرار عند الجمع بينهما مثل (إن الله لرؤف رحيم) وإطلاقهما على الله سبحانه باعتبار الآثار وهي ألطافه وإحسانه تعالى بمن أطاعه وإنكاره على من عصاه وسخطه عليه إعراضه عنه ومعاقبته له، والغضب من المخلوقين قد يكون ممدوحا، وقد يكون مذموما، فالمحمود ما كان في جانب الدين والحق، والمذموم ما كان في خلافه، وهذا هو المراد هنا وهو أيضا حالة للقلب
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست