فيها وإن كان عبارة عن العمل القلبي النوراني الذي ذكره القرطبي أو عن وجود العقل فهو يتوسط بين العقل وبين سائر ما يصدر عنه من الأعمال المرضية التي هي في الحقيقة أنوار إلهية تستضئ بها القلوب والجوارح ويرشده إليها كما يرشد الوزير الأمير إلى الأمور الملكية ومصالحها.
(وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل) لما كان الشر ضد الخير كان مقابلا له في المعاني الثلاثة المذكورة فهو إما شئ ظلماني من أعمال القلب زايد على الكفر وغيره من الصفات الذميمة أو عدم منقسم إلى شر مطلق كعدم العقل، وإلى شر مقيد كعدم غيره من الصفات الكمالية أو كلي يندرج تحته جمع القبايح ويؤيده قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «الشر جامع لمساوي العيوب» (1) ووزارته للجهل تظهر بالتأمل فيما ذكرناه في وزارة الخير للعقل، ويمكن أن يراد بالخير تورية العقل وضياء ذاته إذ كل ما يصدر عنه بتوسطها من الأفعال كان على نهج الصواب فهي وزير له في الدلالة على المحاسن والمصالح وبالشر ظلمة الجهل وكدورة ذاته إذ كل ما يصدر عنه بتوسطها من الآثار والافعال كان على نهج الخطأ فهي وزير له في الدلالة على المفاسد والمقابح.
(والايمان وضده الكفر) الايمان هو الاعتقاد الثابت الجازم بأحوال المبدء والمعاد (2) وملائكته وكتبه ورسله وما جاء به رسوله الذي من جملته الوصاية والإمامة على سبيل الاجمال وهو روح العلوم الحقيقية والتصديق بالمسائل اليقينية على سبيل التفصيل كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «وبالايمان يعمر العلم» (3) والحق أن الأعمال غير داخلة في حقيقته لقوله (عليه السلام) «بالايمان يستدل على الصالحات وبالصالحات يستدل على الايمان» (4) يريد بالأول الاستدلال من المؤثر على الأثر وبالثاني عكس ذلك (5)، وأما قوله (عليه السلام) «الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل