وبالجملة التمسك بالأسباب مع الاعتماد على الله لا عليها لا ينافيه، وثانيها الثقة بالله وبكفالته مع احتراق حجاب الأسباب والمسببات عنده ولكن لم يعود نفسه بالصبر على الجوع والعطش اسبوعا أو أكثر أو أقل ولا راض نفسه على أكل غير المأنوس من الأطعمة والأشربة والأثر المترتب عليه لأنه لا يجوز له ترك الاكتساب ولا الخروج من المعمورة والسكون في البادية ولا السفر بلا زاد ولا ماء لأن إلقاء النفس إلى التهلكة لا يجوز عقلا ونقلا والمقام في المعمورة مظنة إتيان الرزق، وثالثها مثل الثاني إلا أنه عود نفسه على ما ذكر، والأثر المترتب عليه أنه يجوز له ترك الاكتساب والسكون في البادية والسفر بلا زاد ولا ماء في مدة يعلم أنه يتحمل الرياضة ولا يجوز له ولا الثاني ترك الأسباب الضرورية كمد اليد للطعام وابتلاعه ولا انقطاعهما في شعب لا ماء فيه ولا كلاء ولا إقامتهما في ميل ماء أو تحت جدار مائل ولا عدم دفاعهما عنهما سبعا ولو قالا في جميع ذلك; توكلنا فهما جاهلان في معنى التوكل وفي اعتقادهما أن الأسباب الضرورية تنافيه، وكان بعض المتوكلين لا يفارق الإبرة والمقراض والركوة والحبل لملاحظة أنه قد ينخرق ثوبه وقد لا يوجد الماء بوجه الأرض ثم إنهما إن تفارغا للعبادة ولم يطمعا ما في أيدي الناس ولم يتشوش بالهما في العبادة وراضا نفسهما على الجوع وصبرا صبرا جميلا في كل حال يأتيهما الرزق لا محالة لأن أصل وجودهما يجلب الرزق وغيره من ضروريات الوجود، وقد قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): لو سد على رجل باب بيته وترك فيه فمن أين كان يأتيه رزقه.
فقال (عليه السلام): من حيث يأتيه أجله، وهذا التوكل، وترك الكسب إنما هو للمنفرد، وأما المعيل فالمناسب له هو القسم الأول لأنه ليس له أن يكلف عياله بالصبر على الجوع وقد رجح جماعة القسم الأول على بواقي الأقسام مطلقا لما مر ولغيره من الأخبار الواردة في الحث على طلب المعيشة ويمكن أن يقال: إن ذلك باعتبار أن القسم الأول أسهل والآخرين في غاية الصعوبة وهم (عليهم السلام) حكماء يحملون الناس على مالا يصعب عليهم كثيرا.
وأما ضد التوكل فالمشهور في ألسنة العلماء المضبوط في النسخ المعتبرة هو الحرص بالصاد المهملة وقال سيد الحكماء الإلهيين هو الحرض بالحاء المهملة أولا والضاد المعجمة أخيرا والراء في الوسط وبالتحريك وأما الحرص بالصاد المهملة فتصحيف لأنه ضد القناعة كما سيجيء فلو جعل ضد التوكل أيضا لزم أن يكون جند الجهل أقل من من ثلاثة وسبعين وعلى خلاف عدد جند العقل وأنه باطل لأنه خلاف قول الإمام (عليه السلام) بل هو وهم فاسد في نفسه لأنه ضد القناعة في نفس الأمر لا ضد التوكل لأن ضد التوكل هو الهم بالشيء والحزن له والوجد عليه وصرف الفكر في التوسل إليه والتبالغ في تحصيل البغية وتهييج الأسباب المؤدية إليها وتحريكها وتحريشها وتحريبها والغم في