شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٢٣
المعارف ولم يعارضه الوهم والجبن وضعف البصيرة ومع ذلك تأمل في حال بعض الحيوانات الذي لا حيلة له في تحصيل أموره وادخار قوته كالطيور وأمثالها بل في حال نفسه حين كان جنينا في بطن أمه وكان مضطرا إلى الرزق وكان رزقه يأتيه بغير حيلة له من حيث لا يدري وقتا فوقتا حصلت له حالة شريفة هي وثوقه في أموره بالله سبحانه وانقطاعه عن غيره من الأسباب والوسائط بل عن نفسه أيضا لأنه يسلب الحول والقوة عنها ويحكم بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ويرى حاله معه مثل حال الموكل مع وكيله في الثقة به والاتكال عليه أو مثل حال الطفل مع أمه في الركون إليها، أو مثل حال الشمعة مع المصور في أنها مقهورة تحت يده وقدرته يصورها ويشكلها كيف يشاء وهذه الحالة هي المسماة بالتوكل وهي مقام عال من مقامات السالكين ودرجة عظيمة من درجات المقربين ومنزلة رفيعة من منازل المتقين لا يصل إليها إلا من اطمأن قلبه بالإيمان بالله القاهر فوق عباده، ثم إن هذه الحالة تتفاوت كمالا ونقصانا بحسب تفاوت العلوم المذكورة وصفاء القلب ونورانيته فلها أقسام:
أولها: الثقة بالله وبكفالته وكفايته وعنايته مع ملاحظة أن العادة جرت على ربط المسببات بأسبابها فيتمسك بالأسباب على قدر الحاجة والأثر المترتب عليه هو الاعتقاد بأن حصول المطلوب وسببه من توفيق الله تعالى وعنايته فيكتسب ويغلق الباب من السارق ويتحصن من العدو مثلا ويثق بأن الرزق والحفظ منه تعالى، ولا يتكل على السبب وإنما اتخذ جريا على العادة وهو راض عن ربه وشاكر له إن لم يحصل المسبب، بناء على أنه لا يدري في أي شئ الخيرة وحافظ مع اشتغاله بالسبب لأوقات الصلوات وغيرها من العبادات وبالجملة يكون مقصوده هو الكفيل الحق وخيرته ومنظوره هو التشبث بذيل عنايته وإرادته، والاكتساب على هذا الوجه لا ينافي التوكل لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأس المتوكلين وقد توارى من العدو وخندق على نفسه وظاهر بين درعين وداخر قوت عياله سنة، ولتواتر الروايات عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) على هذا المعنى ولقوله تعالى:
(رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) ولذا قيل: من طعن في الكسب طعن في السنة ومن طعن في تركه طعن في التوحيد، والكسب الغير المنافي ما كان على قدر الحاجة، وحده بعض للمنفرد بدون الأربعين، واختلف في إدخار قوت الأربعين فقيل: يخرج عن التوكل، وقيل: لا يخرج بما زاد على الأربعين وهذا كله ما لم يتشوش خاطره فإن تشوش فالادخار في حقه أفضل، بل قيل: لو حبس ضيعة يكفيه دخلها كان أرجح لأن المقصود تفريغ القلب للعبادة حده للمعيل بقوت عام تطمينا لقلبه وقلب عياله لفعل النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك ولم يفعله لطيب قلبه وإنما فعله ليدل على الجواز وقيل: ادخار قوت عامين في مقام يتوهم غلبة العدو لا ينافيه لعدم الأمن بالغلبة والأظهر أن ادخار القوت مطلقا لا ينافيه إذا كان اعتماده على الله تعالى لاعلى القوت المدخر
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست