شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٢٢
وأما عمل االركان فهو استعمال نعمه الظاهرة والباطنة في طاعته وعبادته والتوقي من الاستعانة بها في معصيته ومخالفته كاستعمال العين في مطالعة مصنوعاته، واستعمال الأذن في استماع براهينه وآياته. وهكذا حكم سائر الجوارح، وإذا عرفت الشكر فقد عرفت الكفران الذي هو ضده بالمقايسة فإنه أيضا حالة نفسانية هي العتو وسوء الظن بالمنعم والتباعد منه والسرور بالنعمة من حيث إنها موافقة للأغراض الفاسدة النفسانية، وهذه الحالة تنشأ من عدم معرفة المنعم الحقيقي على ما ينبغي وتورث العمل بالقلب كالقصد إلى معصيته والعزم على مخالفته، وباللسان كالافتراء والشكاية والمذمة وغيرها من الأقاويل الباطلة وبالجوارح كترك النظر فيما يعنيه وصرفه فيما لا يعنيه، وبالجملة صرف الجوارح في غير ما خلقت لأجله.
(والطمع وضده اليأس) هذا تكرار للرجاء وضده، ولذلك قال الشيخ بهاء الملة والدين رحمه الله: لعل أحدهما كان بدلا عن الآخر فجمع بينهما الناسخ غافلا عن البدلية، ويمكن أن يقال التكرار إنما يلزم لو أريد به ما أريد بالرجاء أعني الطمع في ثواب الله والأمور الاخروية مطلقا أما إن أريد به توقع الأمور الاخروية من غير سبق استحقاق وخص الرجاء بتوقعها مع السبق أو مطلقا أو وأريد به توقع الأمور الدنيوية مما يحتاج إليه من الضروريات وغيرها أو أريد به توقع ما في أيدي الناس وجعل الطمع من جنود الجهل واليأس من جنود العقل على خلاف ما وقع في سائر النظائر من تقدم جنود العقل فلا تكرار وهذه الوجوه وإن كانت بعيدة لكن القول بالتكرار وتخطئة الناسخ أبعد منها.
(والتوكل وضده الحرص) معنى توكل العبد على الله تعالى هو صرف أموره إليه والاعتماد فيها عليه يقال: وكل فلان فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجزا عن القيام بأمر نفسه ومن أسمائه تعالى الوكيل وهو القيم بأرزاق العباد، وبالجملة التوكل حالة فاضلة للقلب توجب تفويض الأمور إلى الحق والانقطاع عما سواه وله مبدء وأثر مترتب عليه ومبدؤه العلم بأنه تعالى واحد لا شريك له وأنه عالم بجميع الأشياء بحيث لا يعزب عنه تعالى مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وأنه قادر على جميع المقدورات وأنه حكيم لا يجور في حكمه وأنه رؤوف بعباده ولابد بعد ذلك من الرضا بقضاء الله إذ بالعلم الأول يعلم أنه لا كفيل لمهماته إلا هو، وبالعلم الثاني يعلم أنه لا يخفى عليه شئ من مهماته وبالعلم الثالث يعلم أن السماوات والأرضين وما بينهما وما فيهما من الروحانيات والحيوانات والنباتات والجمادات والأمور الكاينة مسخرات بأمره، فيعلم أنه لا يعجز عن إمضاء مهماته وإنجاح مطالبه ومراداته، وبالعلم الرابع يعلم أنه لا يكون ظالما في نفاذ أموره، وبالعلم الخامس يعلم أنه يفعل كل ما يصلح له وبالسادس يسهل عليه جريان صعاب الأمور فإذا أيقن هذه الأمور واستنار قلبه بأنوار تلك
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»
الفهرست