شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٢٠
المحبة وهي ثمرة الأنس بالله تعالى شأنه وهو ثمرة كمال معرفته وهو ثمرة دوام المجاهدة مع النفس الأمارة والتجرد لذكر الله ودوام الفكر فيه وهو ثمرة الصبر على فعل الطاعات وترك المنهيات وتحمل المشاق والمكاره وهو ثمرة الخوف من الله تعالى والرجاء بثوابه وإكرامه وإنعامه. والخوف له تأثير في الأعضاء الباطنة فيمنعها عن الرذايل النفسانية مثل الكبر والحسد والحقد والعداوة والبخل وغيرها وفي الأعضاء الظاهرة فيكفها عن المنهيات ويقيدها بالطاعات ولعلو منزلة الرضا رفعه الله سبحانه فوق جنات عدن وجعله أكبر من نعمها فقال عز من قائل: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة من جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) فهو فوق نعيم الجنات وغاية مطلب سكانها وإذا رضي العبد عن الله تعالى رضي الله عنه كما قال (رضي الله عنهم ورضوا عنه).
وإذا عرفت حال الرضا وشرف منزلته فاعرف حال ضده الذي هو السخط بالتضاد فإن كل ما ذكرنا في الرضا يجري ضده في السخط وأورد عليه بأن المستفاد من هذا الحديث وغيره أن العبد يجب عليه أن يرضى بقضاء الله سبحانه خيرا كان كالإيمان والطاعة أو شرا كالكفر والمعصية لكن الرضا بالكفر كفرو بالمعصية فسق كما ورد في الحديث فكيف التوفيق؟
والجواب المشهور هو أنه فرق بين القضاء والمقضي وأنه يجب الرضا بالقضاء دون المقضي والكفر ونحوه من جملة المقضي، ورده بعض المحققين بأن القضاء عبارة عن الحكم بوقوع شئ في الخارج وهو أمر نسبي إضافي فحسنه وقبحه وخيره وشره إنما هو بحسب ما أضاف إليه لأن نفس الإضافة لا توصف بشئ إلا باعتبار المضاف إليه فالتناقض بحاله ثم أجاب عن أصل الاشكال بأن المقضي بالذات لا يكون إلا خيرا والشر مقضي بالعرض لا بالذات يجب الرضا به هو القضاء أو المقضي بالذات والذي يجب عدم الرضا به هو القضاء أو المقضي بالعرض كالكفر والظلم ونحوهما، وقال بعض الأفاضل لدفع الرد المذكور عن الجواب المشهور: القضاء كالعلم ليس مجرد إضافة ونسبة بل هو صورة عقلية ذات إضافة فإن القضاء الإلهي كما حقق عبارة عن وجود صور جميع الموجودات الخارجية وجودا عقليا إجماليا على وجه أشرف وأعلى فكل ما كان أو سيكون له وجود في عالم علمه تعالى علما مقدسا منزها من التغير والقصور والنقص والشر وأما المقضي فهو الصور الكاينة والمواد الخارجية على وفق ما جرى في القضاء فللقضاء نحو من الوجود وللمقضي نحو آخر من الوجود وقد يتطرق إليه النقص والآفة والشر والفساد والصورة العقلية للكفر والمعاصي ليست كفرا ولا معصية وإنما هي كذلك بحسب وقوعها في الخارج فمن قال: القضاء لا يكون إلا خيرا يجب الرضا به دون المقضي لعله أراد بالقضاء صور ما في علم الله سبحانه لا مجرد النسبة وبالمقضي وجود
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست