مراعاة الواجبات - وهما في طرفي التذكر - وقس عليه أنواع بواقي الأجناس، وربما يكون لبعض الأنواع اسم مشهور كالوقاحة والخرق وهما في طرفي الحياء - والاسراف والبخل - وهما في طرفي السخاء - والتكبر والتذلل - وهما في طرفي التواضع - والفسق والتحرج - وهما في طرفي العبادة - إذا عرفت هذا فنقول: ما ذكره (عليه السلام) في هذا الحديث من الفضائل والرذايل بعضه من الأجناس وبعضه من الأنواع وبعضه من الأصناف وبعضه من الجزئيات كما لا يخفى على المتأمل وسيجئ تفسير بعض هذه الأمور إن شاء الله تعالى.
(فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند: الخير) «من» الأولى للتبعيض و «ما» موصولة، «من» الثانية للبيان والظرف خبر كان قدم على اسمه وهو الجند أو الخير للتشويق ذكره.
قال القرطبي: قيل الخير شئ من أعمال القلب نوراني زائد على الايمان وغيره من الصفات المرضية يدل على ذلك ما في حديث أنس «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن مثقال ذرة» إنتهى.
وقيل: الخير هو الموجود وإطلاقه على غيره إنما هو بالعرض وهو ينقسم إلى خير مطلق كوجود العقل لأنه خير محض لا يشوبه شر ونقص (1) وإلى خير مقيد كوجود غيره من الذوات والصفات.
أقول: الحق إن الخير كلي يندرج تحته جميع الأعمال الصالحة كما يدل عليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام):
«افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا فإن صغيره كبير وقليله كثير» (2) ويؤيده ما في طرق العامة «يخرج منها (أي من جهنم) قوم لم يعملوا خيرا قط» (3) وهؤلاء الذين ليس معهم إلا الايمان (وهو وزير العقل) الوزر الحمل الثقيل يقال: وزره إذا حمله ومنه الوزير لأنه يحمل عن الأمير وزره أي ثقله والوزارة على قسمين تفويض وتنفيذ والأول يستورزه الأمير بتفويض تدبير الأمور إلى رأيه وإمضائها إلى اجتهاده بدون مراجعة إليه في كل قضية والثاني أن يكون النظر في الأمور مقصورا على رأي الأمير وتدبيره والوزير يتوسط بينه وبين رعيته ويرشده إلى المصالح ويؤدي عنه ما أمر وينفذ له ما ذكر ويعينه في الأمور، وهذا المراد هنا لأن الخير إن كان عبارة عن الكلي المندرج تحته المصالح كلها فحكمه يجري في جزئياته وهو يتوسط بينها وبين العقل في جريان حكم العقل ونفاذ تدبيره