لهم أنفسهم وزينه لهم الشيطان وقال (أكثرهم لا يشعرون) (1) بما فيه صلاحهم في الدارين وكمالهم في النشأتين وهذه الآيات الثلاث يستلزم مدح القليل وهو المقصود في هذا المقام.
واعلم أن الآيات والروايات الدالة على ذم الكثير ومدح القليل أكثر من أن تحصى، والغرض من ذكر بعضها هنا أمران: أحدهما بيان أن الضلالة والطغيان صارتا كالطبيعة الثانية للانسان إلا من عصمه الله من سلوك سبيل الشيطان ونور قلبه بنور المعرفة والايمان وهذا الصنف قليل جدا بل ينحصر في بعض الأعصار في فرد كما قيل في تفسير قوله تعالى (إن إبراهيم كان أمة) إنه كان وحده مؤمنا وكان سائر الناس كفارا، الثاني التنبيه على أن ما وقع بعد نبينا (صلى الله عليه وآله) من ارتداد أكثر الناس وخروجهم عن الدين وبقاء قليل منهم مثل عمار وسلمان وأبي ذر وأضرابهم غير مستبعد (يا هشام ثم ذكر اولى الألباب) أي ذوي العقول الخالصة عن لواحق الوهم والفشل، الكاملة بفضيلتى العلم والعمل (بأحسن الذكر) الذكر نقيض النسيان ويطلق أيضا على الصيت والثناء والشرف كما في قوله تعالى (والقرآن ذي الذكر) أي ذي الشرف (وحلاهم بأحسن الحلية) أي زينهم بأحسن الزينة، أو وصفهم بأحسن الصفة، والحلية بكسر الحاء المهملة وسكون اللام تطلق على الصفة مثل العلم والشجاعة والسخاوة ونحوها وعلى الزينة من ذهب أو فضة أو لؤلؤ أو نحوها وفي التنزيل (وتستخرجون حلية تلبسونها) ومن حلي بضم الحاء وكسر اللام وشد الياء جمع حلى بفتح الحاء وسكون اللام وهي ما يتحلى به المرأة، جمع الحلية حلى مثل اللحية ولحى وربما ضم (فقال يؤتى الحكمة) قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «هي طاعة الله ومعرفة الإمام» (2) وهذا القول منه (عليه السلام) إشارة إلى الحكمة النظرية والعملية (3) وهما خروج النفس من القوة الاستعدادية إلى حقيقة العلم والعمل لأن معرفة الإمام إشارة اجمالية إلى معرفته على ما ينبغي ومعرفة الرسول وما جاء به ومعرفة الله وما يليق به، وهذه المعارف عبارة عن الحكمة النظرية.
وطاعة الله إشارة إلى تخلية الظاهر والباطن عن الرذائل وتحليتهما بالفضائل وهذه هي الحكمة العملية ويرجع إلى هذا التفسير قول القاضي: هي تحقيق العلم والعمل.
وقول صاحب الكشاف: هي العلم والعمل به والحكيم عند الله هو العالم العامل وقول المازري: