هي العلم النافع المصحوب بإنارة البصيرة وتهذيب النفس.
وقول ابن دريد: هي كل ما يؤدي إلى مكرمة ويمنع من قبيح.
وقال شيخ العارفين بهاء الملة والدين: هي ما يتضمن صلاح النشأتين أو صلاح النشأة الأخرى من العلوم والمعارف وأما ما تضمن صلاح الحال في الدنيا فقط فليس من الحكمة في شئ.
وقال مالك: الحكمة في الفقه في الدين (1) وهذان التعريفان لا يصدقان على الحكمة العملية كما لا يصدق تعريف من قال: هي الإصابة في القول ومن قال: هي طاعة الله تعالى على الحكمة النظرية.
(من يشاء) مفعول أول أخر للاهتمام بالمفعول الثاني وللدلالة على تعظيمه في أول الأمر (ومن يؤت الحكمة) بفتح التاء في القراءة المشهورة على البناء للمفعول لأن المقصود بيان حال المفعولين بخلاف الأول لأن المقصود هنا تعلق الفعل بالفاعل أيضا ليتبين أن الحكمة فضيلة إلهية وموهبة ربانية للنفوس المستعدة لها ولا تحصل بمجرد الاكتساب وإن كان للاكتساب مدخل فيها (فقد أوتى خيرا كثيرا) التنكير للتعظيم والتكثير جميعا والوصف بالكثرة للمبالغة والتأكيد وكثرته باعتبار اشتماله على خير الدنيا والآخرة، وفيه دلالة على كمال العلم وعلو منزلته وعموم فوائده.
لا يقال هذا ينافي قوله تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) لأن قلته بالإضافة إلى علم الواجب لا ينافي كثرته بالنظر إلى ذاته ومدة بقائه وبقاء السعادة اللازمة له (وما يذكر) أي وما يعلم الحكمة التي أعطاها للنفوس القابلة ولا يعرف قدر تلك النعمة، أو وما يتفكر في القرآن وما فيه من حقايق العلوم ودقايقها (إلا أولو الألباب) أي ذوو العقول الكاملة المائلة عن الدنيا وزهراتها، الآمنة من مكايد النفس ومتمنياتها، وقد نقل في هذا الكتاب عن الرضا (عليه السلام) في فضل الإمام وصفاته في حديث طويل: «إن الأنبياء (عليهم السلام) يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم ثم قرأ هذه الآية (2) وقال: (والراسخون في العلم) رسخ الشئ رسوخا ثبت كل ثابت راسخ ومنه الراسخون في العلم أي الذين ثبتوا فيه واستقروا بحيث لا يؤزهم شئ من مكايد الشيطان ومتمنيات النفوس وزهرات الدنيا على الخروج عن سبيل