وقيل: كان من بني إسرائيل ويرجح الأول لفظ الآل لأنه يطلق على القريب كما قال سبحانه:
(إلا آل لوط نجيناهم بسحر) وهو صفة ثانية لرجل، وقيل: هو متعلق بقوله (يكتم إيمانه) هذا صفة ثالثة على ما قلنا، وصفة ثانية على ما قيل، وهذا القول بعيد لأنه يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي، اللهم إلا أن يجعل (يكتم إيمانه) حالا وهو بعيد جدا.
ولأنه لو كان كذلك لكانت تأخيره أولى إذ لاوجه لتقديمه إلا الحصر وهو غير مناسب للمقام ولأن كتمان الايمان دل على ثبوت الايمان مثل مؤمن، فكان الأنسب أن يذكر بعده بلا فصل، فإن قلت:
فعلى هذا لو كان صفة كان الأنسب أيضا تأخيره عن الصفة الثالثة، قلت: نعم ولكن في تأخيره إخلال بيان المعنى المقصود لأنه يتوهم حينئذ أنه من صلة (يكتم) فلم يفهم أن ذلك الرجل كان من آل فرعون فقدم لدفع هذا التوهم على أن تقديمه أهم لأن إيمانه مع كونه من آل فرعون كان مستبعدا (أتقتلون رجلا) وهو موسى (عليه السلام) والهمزة للانكار إما للتوبيخ أو للتعجب وحملها على حقيقة الاستفهام بعيد (أن يقول) أي لأن يقول أو وقت أن يقول (ربي الله) وحده لا شريك له وهو يفيد قصر الربوبية على الله ردا لقول فرعون (أنا ربكم الأعلى) فهو من قبيل صديقي زيد والغرض من ذكر الآية الكريمة أن الله سبحانه وصف رجلين من بين كثيرين لا يعلم عددهم إلا هو بالايمان ومدحهما به (وقال ومن آمن) عطف على أهلك في قوله تعالى (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول) ولما أوحى إلى نوح (عليه السلام) أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وأمره بعمل السفينة وأخبره بإهلاك قومه بالغرق شرع (عليه السلام) في عمل السفينة، فلما تم عمله وجآء أمر الله تعالى وفار التنور أمره بأن يحمل معه في السفينة من كل نوع من الحيوان ذكرا وأنثى وأهله إلا ابنه كنعان وامه وأن يحمل فيها المؤمنين فحمل (عليه السلام) فيها زوجين من كل حيوان وكل من آمن (وما آمن معه إلا قليل) قيل: كانوا ثمانين مقاتلا وفي ناحية الموصل قرية يقال لها قرية الثمانين سميت بها لأن هؤلاء لما خرجوا من السفينة بنوها وهذا القول بعيد وقال في الكشاف روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
كانوا ثمانية نوح وأهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم، وعن محمد بن إسحاق كانوا عشرة خمسة رجال وخمسة نسوة وقيل: كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة وأولاد نوح سام وحام ويافث ونساءهم والجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء وقال:
(ولكن أكثرهم لا يعلمون) أي لا يوجد لهم حقيقة العلم ولا يعلمون استقامة هذا الدين لعدم تدبرهم فيه حتى يحصل لهم العلم باستقامته وبما يتبعها من نظام أحوالهم في الدنيا والآخرة وقال (أكثرهم لا يعقلون) أي ليس لهم فضيلة العقل أو لا يعقلون الحلال والحرام وما جاء به رسولهم من المصالح والأحكام ليهذبوا ظاهرهم وباطنهم ويتصفوا بكمال الإنسان ويتركوا ما سولت