شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٣٣
قلتهم وسبب القلة أن الله سبحانه خلق أعضاء الإنسان على مقتضى حكمته البالغة بحيث تصلح أن تناول الخير والشر فإن اليد تتناول الضرب والبطش والاعطاء والمنع وغيرها من الأفعال الصادرة منها، والرجل يتناول المشي إلى سبيل الحق والباطل، والبصر يقدر أن يدرك المصنوعات العجيبة والمبدعات الغريبة التي دلت على وجود صانعها وقدرته وحكمته. وأن يدرك المحرمات من الصور وغيرها والسمع يصلح أن يسمع الآيات والبينات المحركة للسير إلى الله تعالى، وأن يسمع الهزل واللغو والأقوال الكاذبة الموجبة للبعد منه ومن رحمته، وقس عليها البواقي وجعل النفس واسطة بين القوة الشهوية والغضبية وغيرهما من القوى الطبيعية الحيوانية وبين القوة العاقلة والملكية، وهي بالأولى تحرص على تناول اللذات البهيمية الفانية كالقهر والغلبة والشره والشبق (1) والعداوة، والتهجم على الغير بالضرب والشتم وتستعمل الأعضاء والجوارح في وجوه الشر والضلالة وإذا استمرت على ذلك صارت شيطانا ولحقت بزمرة الشياطين وترجع إلى أسفل السافلين، وبالثانية تتناول اللذات الملكية الباقية مثل العلوم الحقيقية والخصال الحميدة المؤدية إلى السعادات الأبدية وتستعمل الأعضاء والجوارح في وجوه الخير وتستكمل السياسة البدنية وإذا استمرت على ذلك شاركت الملائكة المقربين في فضائلهم، وزاحمت الأنبياء والمرسلين في منازلهم، وتستحق أن تخاطب بيا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية - وإلى هذين الطريقين أشار سبحانه بقوله (وهديناه النجدين) وبقوله (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) ولكن النفس بالذات لما كانت مايلة إلى اللذات آنسة بالمحسوسات، واللذات الفانية الدنيوية لذات حاضرة محسوسة ظاهرة واللذات الاخروية لذات غائبة عقلية مخفية صارت النفوس كلها مايلة إلى الدنيا وزخارفها باغواء الشياطين وغلبة الشقاوة والهوى عليها حتى خرجوا عن الدين، واندرجوا في سلك الشياطين، واتصفوا بالخسران المبين، أو خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، وصاروا من المذنبين إلا من عصمه الله وأخذت بيده العناية الأزلية ونور قلبه بنور الحكمة والايمان وأفاض عليه مياه الكرامة والاحسان وطهر ظاهره بالأعمال الصالحة وحلى باطنه بالأخلاق الفاضلة وهذا القليل الوجود جدا كما أشار إليه مولانا الصادق (عليه السلام) بقوله: «المؤمنة أعز من المؤمن والمؤمن أعز من الكبريت الأحمر، فمن رأى منكم الكبريت الأحمر» (2).
(قال: وقال رجل مؤمن من آل فرعون) من أقاربه، قيل: هو ابن عمه، وقيل: كان قبطيا من قومه،

1 - اي الشهوة الفاسدة.
2 - رواه الكليني في كتاب الايمان والكفر باب قلة عدد المؤمنين تحت رقم 1.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست