فيها شبهة، ثم كلمني فيها وأعلمني رأيك في الخروج إذا أردت، وافترقا على هذا تلك الليلة.
ثم عاد الحكيم إليه فسلم عليه ودعا له، ثم جلس فكان من دعائه أن قال:
أسأل الله الأول الذي لم يكن قبله شئ، والآخر الذي لا يبقى معه شئ، والباقي الذي لا منتهي له، والواحد الفرد الصمد الذي ليس معه غيره، والقاهر الذي لا شريك له، البديع الذي لا خالق معه، القادر الذي ليس له ضد، الصمد الذي ليس له ند، الملك الذي ليس معه أحد أن يجعلك ملكا عدلا، إماما في الهدى، قائدا إلى التقوى، ومبصرا من العمي، وزاهدا في الدنيا، ومحبا لذوي النهى، ومبغضا لأهل الردى حتى يفضي بنا وبك إلى ما وعد الله أوليائه على ألسنة أنبيائه من جنته ورضوانه، فإن رغبتنا إلى الله في ذلك ساطعة، ورهبتنا منه باطنة، وأبصارنا إليه شاخصة (1) و أعناقنا له خاضعة، وأمورنا إليه صائرة.
فرق ابن الملك لذلك الدعاء رقة شديدة، وازداد في الخير رغبة، وقال متعجبا من قوله: أيها الحكيم أعلمني كم أتى لك من العمر؟ فقال: اثنتا عشر سنة، فارتاع لذلك، وقال: ابن اثنتي عشرة سنة طفل وأنت مع ما أرى من التكهل لابن ستين سنة.
قال الحكيم، أما المولد فقد راهق الستين سنة، ولكنك سألتني عن العمر وإنما العمر الحياة، ولا حياة إلا في الدين والعمل به، والتخلي من الدنيا ولم يكن ذلك لي إلا من اثنتي عشرة سنة، فأما قبل ذلك فإني كنت ميتا ولست أعتد في عمري بأيام الموت، قال ابن الملك: كيف تجعل الاكل والشارب والمتقلب ميتا؟ قال الحكيم:
لأنه شارك الموتى في العمى والصم والبكم وضعف الحياة وقلة الغنى، فلما شاركهم في الصفة وافقهم في الاسم.
قال ابن الملك: لئن كنت لا تعد حياة ولا غبطة ما ينبغي لك أن تعد ما يتوقع من الموت موتا، ولا تراه مكروها، قال الحكيم: تغريري في الدخول عليك بنفسي يا ابن الملك مع علمي لسطوة أبيك على أهل ديني يدلك على أني [لا أرى الموت موتا]