في طريقه على جارية عليها ثياب خلقان لها، قائمة على باب بيت من بيوت المساكين فأعجبته الجارية، فقال لها: من أنت أيتها الجارية؟ قالت: أنا ابنة شيخ كبير في هذا البيت، فنادى الفتى الشيخ فخرج إليه فقال له: هل تزوجني ابنتك هذه؟ قال:
ما أنت بمتزوج لبنات الفقراء وأنت فتى من الأغنياء، قال: أعجبتني هذه الجارية ولقد خرجت هاربا من امرأة ذات حسب ومال أرادوا مني تزويجها، فكرهتها فزوجني ابنتك فإنك واجد عندي خيرا إن شاء الله.
قال الشيخ: كيف أزوجك ابنتي ونحن لا تطيب أنفسنا أن تنقلها عنا، ولا أحسب مع ذلك أن أهلك يرضون أن تنقلها إليهم، قال الفتي: فنحن معكم في منزلكم هذا، قال الشيخ: إن صدقت فيما تقول فاطرح عنك زيك وحليتك هذه، قال: ففعل الفتى ذلك وأخذ أطمارا رثة من أطمارهم فلبسها وقعد معهم، فسأله الشيخ عن شأنه وعرض له بالحديث حتى فتش عقله فعرف أنه صحيح العقل وأنه لم يحمله على ما صنع السفه، فقال له الشيخ: أما إذا اخترتنا ورضيت بنا فقم معي إلى هذا السرب فأدخله فإذا خلف منزله بيوت ومساكن لم ير مثلها قط سعة وحسنا، وله خزائن من كل ما يحتاج إليه، ثم دفع إليه مفاتيحه وقال له: إن كل ما ههنا لك فاصنع به ما أحببت، فنعم الفتى أنت وأصاب الفتى ما كان يريده.
قال يوذاسف: إني لأرجو أن أكون أنا صاحب هذا المثل إن الشيخ فتش عقل هذا الغلام حتى وثق به، فلعلك تطول بي على تفتيش عقلي فأعلمني ما عندك في ذلك، قال الحكيم لو كان هذا الامر إلي لاكتفيت منك بأدنى المشافهة ولكن فوق رأسي سنة قد سنها أئمة الهدى في بلوغ الغاية في التوفيق، وعلم ما في الصدور فأنا أخاف إن خالفت السنة أن أكون قد أحدثت بدعة، وأنا منصرف عنك الليلة وحاضر بابك في كل ليلة، ففكر في نفسك بهذا واتعظ به، وليحضرك فهمك وتثبت ولا تعجل بالتصديق لما يورده عليك همك حتى تعلمه بعد التؤدة والأناة وعليك بالاحتراس في ذلك أن يغلبك الهوى والميل إلى الشبهة والعمى، واجتهد في المسائل التي تظن أن