مضى الحسن كان الحسين أحق وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرسول صلى الله عليه وآله عليه واختصاصه إياه وإشارته إليه، فلو كان الحسن أوصى بالإمامة إلى ابنه لكان مخالفا للرسول صلى الله عليه وآله وحاشا له من ذلك، وبعد فلسنا نشك ولا نرتاب في أن الحسين عليه السلام أفضل من الحسن ابن الحسن بن علي والأفضل هو الامام على الحقيقة عندنا وعند الزيدية، فقد تبين لنا بما وصفنا كذب المغيرية وانتقض الأصل الذي بنوا عليه مقالتهم، ونحن لم نخص علي بن الحسين بن علي عليهم السلام بما خصصناه به محاباة، ولا قلدنا في ذلك أحدا، ولكن الاخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن.
ودلنا على أنه أعلم منه ما نقل (1) من علم الحلال والحرام عنه، وعن الخلف من بعده، وعن أبي عبد الله عليه السلام، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشئ يمكننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم علي بن الحسين عليهما السلام، والعالم بالدين أحق بالإمامة ممن لا علم له، فان كنتم يا معشر الزيدية عرفتم للحسن بن الحسن علما بالحلال و الحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله عز وجل " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون " (2)، فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدم وطهارة وزكاة وعدالة، والإمامة لا يتم أمرها إلا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام رب العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزيدية بإمامته إلا وهو يقول في التأويل - أعني تأويل القرآن - على الاستخراج وفي الاحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط (3)، لان ذلك كان ممكنا لو كان القرآن إنما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد، فأما القرآن قد نزل بلغات كثيرة، وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلا بتوقيف مثل الصلاة والزكاة والحج (4) وما في هذا الباب منه،