من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام من غير أن يتعلموا ذلك من أحد من الناس.
فان قال قائل: لعلهم كانوا يتعلمون ذلك سرا، قيل لهم: قد قال مثل ذلك الدهرية في النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يتعلم الكتابة ويقرأ الكتاب سرا. وكيف يجوز أن يظن ذلك بمحمد بن علي وجعفر بن محمد بن علي عليهم السلام وأكثر ما أتوا به لا يعرف إلا منهم، ولا سمع من غيرهم.
وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهورا تاما للخاصة والعامة فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة (قد) تواترت أخبارها أنها شاهدته وعاينته؟
فيقال لهم: إن أمر الدين كله بالاستدلال يعلم، فنحن عرفنا الله عز وجل بالأدلة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبي صلى الله عليه وآله وكونه في العالم بالاخبار، وعرفنا نبوته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنه استخلف علي بن - أبي طالب عليه السلام بالاستدلال، وعرفنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسائر الأئمة عليهم السلام بعده عالمون بالكتاب والسنة ولا يجوز عليهم في شئ من ذلك الغلط ولا النسيان ولا تعمد الكذب بالاستدلال، وكذلك عرفنا أن الحسن بن علي عليهما السلام إمام مفترض الطاعة، وعلمنا بالاخبار المتواترة عن الأئمة الصادقين عليهم السلام أن الإمامة لا تكون بعد كونها في الحسن والحسين عليهما السلام إلا في ولد الامام ولا يكون في أخ ولا قرابة، فوجب من ذلك أن الامام لا يمضي إلا أن يخلف من ولده إماما (1) فلما صحت إمامة الحسن عليه السلام وصحت وفاته ثبت أنه قد خلف من ولده إماما، هذا وجه من الدلالة عليه.
ووجه آخر: وهو أن الحسن عليه السلام خلف جماعة من ثقاته ممن يروي (2) عنه الحلال والحرام ويؤدي كتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات وكانوا بموضع من الستر (3) والعدالة بتعديله إياهم في حياته، فلما مضى أجمعوا جميعا على أنه قد خلف