شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٤٢
السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين). أي نزيل عنها التعين (6) السماوي ليرجع إلى الوجود المطلق بارتفاع وجوده المقيد، فقال:
(لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) مشيرا إلى ظهور دولة حكم المرتبة الأحدية. و جاء في الخبر الصحيح أيضا، ان الحق، سبحانه، يميت جميع الموجودات حتى الملائكة وملك الموت أيضا، ثم يعيدها للفصل والقضاء بينهم لينزل كل منزلته من الجنة والنار. وأيضا، كما ان وجود التعينات الخلقية انما هو بالتجليات الإلهية في مراتب الكثرة، كذلك زوالها بالتجليات الذاتية في مراتب الوحدة، و من جملة الأسماء المقتضية لها، القهار والواحد والأحد والفرد والصمد والغنى و العزيز والمعيد والمميت والماحي وغيرها. وانكار من لم يذق هذا المشهد من العارفين علما غير الواصلين حالا أو المغرورين (7) بعقولهم الضعيفة العادمة هذه الحالة انما ينشأ من ضعف ايمانهم بالأنبياء، عليهم السلام، أعاذنا الله منه. ومن اكتحل عينه بنور الايمان وتنور قلبه بطلوع شمس العيان، يجد أعيان العالم دائما متبدلة وتعيناتها متزايلة كما قال تعالى: (بل هم في لبس من خلق جديد). وقد يكون باختفائها فيه كاختفاء الكواكب عند وجود الشمس ويستتر وجه العبودية بوجه الربوبية فيكون الرب ظاهرا والعبد مخفيا. ومن لسان هذا المقام ينشد:
شعر تسترت عن دهري بظل جناحه * فعيني ترى دهري وليس يراني فلو تسأل الأيام ما اسمى ما درت * وأين مكاني ما درين مكاني وهذا الاختفاء انما هو في مقابلة اختفاء الحق بالعبد عند اظهاره إياه، وقد يكون بتبديل الصفات البشرية بالصفات الإلهية دون الذات. فكلما ارتفع صفة من صفاتها قامت صفة الهية مقامها فيكون الحق حينئذ سمعه وبصره، كما نطق به الحديث، ويتصرف في الوجود بما أراد الله. وكل منها قد يكون معجلا كما للكمل والافراد الذين قامت قيامتهم وفنوا في الحق وهم في الحياة الدنيا صورة. و قد يكون مؤجلا وهو الساعة الموعودة بلسان الأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين.

(6) - كما رمز إليه بقوله: (نطوي). فان الطي بمعنى الجمع أو ملازم للجمع.
(7) - المنكرين بظهور الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة. 12
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 137 138 139 141 142 143 145 146 147 148 ... » »»