شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١٤٥
الفصل الثاني عشر في النبوة والرسالة (1) والولاية قد مر ان للحق تعالى، ظاهرا وباطنا، والباطن يشتمل الوحدة الحقيقية التي للغيب المطلق والكثرة العلمية حضرة الأعيان الثابتة، والظاهر لا يزال مكتنفا بالكثرة لا خلوله عنها - من حيث انه صورة ما يشتمل عليه العلم - لان ظهور الأسماء والصفات من حيث خصوصيتها الموجبة لتعددها لا يمكن الا ان يكون لكل منها صورة مخصوصة فيلزم التكثر. ولما كان كل منها طالبا لظهوره و سلطنته واحكامه، حصل النزاع والتخاصم في الأعيان الخارجية باحتجاب كل منها عن الاسم الظاهر في غيره، فاحتاج الامر الإلهي إلى مظهر حكم عدل ليحكم بينها ويحفظ نظامها في الدنيا والآخرة ويحكم بربه الذي هو رب الأرباب بين الأسماء أيضا بالعدالة ويوصل كلا منها إلى كماله ظاهرا وباطنا وهو النبي الحقيقي والقطب الأزلي الأبدي أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وهو الحقيقة المحمدية، صلى الله عليه وسلم، كما أشار إليه بقوله: (كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين)، أي بين العلم والجسم.

(١) - اعلم، انه بعد ما ثبت ان لنا خالقا حكيما متعاليا عنا وعن كل ما سواه تعالى، ومبدأ لكل شئ ومرجعا لكل ضوء وفئ وان العالم بكليه مظاهر نوره ومجالي أسمائه ومرايا كماله و بهائه وان معاد كل شئ إلى ما بدء منه من الأسماء والصفات وحشر كل معلول إلى علته بالحركة إليها وان له تعالى أسماء جلال وجمال ولهما مظاهر في العالم بالاختلاط والاستقلال و انه ينتهى طائفة منها بجماعته إلى الجنان وطائفة منها يقوم إلى النيران وان بين الطائفتين المختلفين ظهورات لبعض عند خفاء المقابلات ومغالبة يغلب بعضها بحسب النشآت و تفرق بهم السبل واشتبه الامر على الكل وليس في وسع كل أحد ان يصل إلى الله أو يتقرب إليه بأخذ ما هو رضاه فمن المتحتم على ذمة السنة الإلهية والحكمة الربانية ان يستأثر بعلمه وحكمته من يشاء من عباده للسفارة والخلافة، فثبت ان له تعالى سفراء في خلقه متخلقين بخلقه يشابهونهم في سماتهم تخالفونهم في أخلاقهم وصفاتهم لهم جهتا الحقية والخلقية، فبالأولى يأخذون من الحق سبحانه، وبالثانية يعبرون إلى خلقه ويدلونهم إلى مصالحهم و منافعهم. وهذا البرهان مستفاد من الاخبار الأئمة، عليهم السلام. وبلسان آخر، ان للأسماء الظاهر في العالم آثارا رؤساؤهم أئمة الأسماء بان يرجع كل طائفة إلى امامهم في جميع مرامهم، ولهذه الأئمة امام واحد جامع لحقايقها ظاهر بحسبها في مجاليها يترائى باعتبار بطونها في تفاصيلها يسمى امام أئمة الأسماء، فكذا الحال في مظاهرها. ولتلك الأئمة ظهورات في قرون مختلفة وأزمان متفرقة. فمظهر الامام هو امام الأنام الجملي وهو امام الكل وسيد الجل. ويجب ان يكون الامام بظهوره الوحداني دون ظهوره بظهور رعاياه التي هي رؤساء بالنسبة إلى الجمهور متأخرا عن تلك الظهورات لان هذه كالاجزاء له ومن البين تقدم ظهورات الاجزاء على ظهور الكل في عالم الشهادة والتفرقة، ولأجل ما قلنا ما بعث نبي الا بالاقرار ببعثة نبينا وامامة أئمتنا، عليهم السلام، وذلك لأنه مصحح بعثتهم ومصدق رسالتهم، فلا تغفل. ومن هذا ظهر وجوب وجود الأنبياء، سيما رسالة نبينا خاتم النبيين، صلى الله عليه وآله. وهنا مطلب آخر هو اضطرار الناس إلى الحجة في كل زمان خصوصا بعد نبينا، صلى الله عليه وآله. فلان كل حركة وفعل وكل سكون و ترك اما ان يكون نافعا في نفس الامر، عاجلا أو آجلا بطريق منع الخلو، أو ليس كذلك.
والثاني اما يكون ضارا أولا يكون. فالأقسام ثلاثة. ومن الضروري عند كل من بلغ حد التميز والقياس ولم يوسوس في قلبه وسواس شبه الناس ان ليس له بنفسه ولا باجتماع من هو أمثاله معرفة خيره وشره ولا الاهتداء إلى نجدي نفعه وخيره، يقين وغير يقين في الخير والنافع يحتمل القسمين الأخيرين، فالكل مضطرون محتاجون إلى من يعرف ذلك على الحقيقة وبالكنه. ومن المقرر ان علم ذلك كما هو عند الله أو عند من اخذ منه ما ألقاه.
فظهر الاضطرار إلى الحجة بانضمام المقدمة السالفة من انه ليس لكل أحد ان يستأثره الله بعلم ذلك. فيجب طلب ذلك الامام على كل أحد، والحركة والفعل الذي يلزم ذلك الطلب، وان كان يحتمل هذه الأقسام، لكن نتيجة الاضطرار إلى الطلب المحتاج إلى تلك الحركة وذلك الفعل. فلا بد ان يكتفى فيه بقدر الضرورة - واما سبيل وجدان هذه فطريق آخر وهذا القدر كاف في المقصود. وبوجه آخر وهو مختص بخليفة النبي، صلى الله عليه وآله ان النبي، صلى الله عليه وآله، يجب ان يكون عنده كل ما يحتاج إليه الناس من العلوم والصناعات ومعرفة اللغات وغير ذلك وذلك واضح حيث يقرر انه ليس لكل أحد ان يأخذ ما يحتاج إليه في امر معاشه ومعاده من الله من غير واسطة بشر نوري. ثم من البين ان آثار علم ذلك النبي ومفاتيح علومه يجب ان تأتيه مدة سلطان ذلك النبي، صلى الله عليه وآله، إذ العلة المحوجة باقية إلى تلك الغاية وليس يسع كل أحد مع التعاقب التناسلي ان يكون عنده جميع تلك الآثار، كما نشاهد من أنفسنا، ولا في قوة كل واحد ان يحيط بذلك علما. فلا بد لذلك طائفة يكون اختصاصهم بالنبي، صلى الله عليه وآله، موجبا لحمل أعباء النبوة وآثار علم الدين ويجب ان يكونوا معصومين مأمونين والا لم يكن الاخذ منهم على يقين في حكم الله. ولا يعلم هذه العصمة من أحد الا من عصمه الله ونص به و بعصمته وأمانته النبي من عند الله يتم بذلك تبليغ رسالته كما قال عز من قائل: (يا أيها النبي بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).
وبوجه آخر وهو مختص بخلفاء نبينا، صلى الله عليه وآله. تقريره: ان الخليفة ما يخلف المخلوف في شؤونه ويفعل ما خلق هو لأجله، فخليفة الله هو من يخلفه في ارضه و سمائه من إفاضة المصالح الدينية والدنيوية والهداية إلى الخيرات الحقيقية. وكذلك خليفة النبي هو من يخلفه في الأمور المتعلقة بالنبوة من اصلاح حال الرعية وحفظ احكام الشريعة وتربية أمورهم الظاهرة والباطنة. فيكون الخليفة متخلقا بجميع الأخلاق المتخلق بها النبي، صلى الله عليه وآله، كما ان النبي متخلق بأخلاق الله ومتأدب بآدابه بحيث يصح ان يحكم بان السابق لو كان في هذه المرتبة لكان ذلك اللاحق بعينه. وقد تحقق بالنقل المتظافر من طرق العامة والخاصة ان رسول الله بعد ما خير بين العبودية والسلطنة اختار ان يكون عبدا نبيا لا ملكا نبيا، فليس بعده السلطنة الظاهرة وامامة الجبابرة خلافة عن النبي إذ ليس ذلك له بنفسه فكيف يكون لمن بعده قد فثبت انه لا بد من الاضطرار ان كان له خليفة ان يكون بالخلافة الدينية المصلحة للمعاش والمعاد والسلطنة المعنوية للعاكف والباد. و من المتواتر بين الفريقين ان الذي دعى الخلافة بعده متخلقا بأخلاقه وهو بالنسبة إليه كنفسه على بن أبى طالب لقوله تعالى: (وأنفسنا). حيث لا خلاف لاحد انه على بن أبى طالب، عليه السلام. (للأستاذ).
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 141 142 143 145 146 147 148 149 153 ... » »»