سمعه وبصره...) - الخ. وذلك الاتصاف لا يحصل الا بالتوجه التام إلى جناب الحق المطلق، سبحانه، إذ به يقوى جهة حقيته فيغلب جهة خلقيته إلى ان يقهرها ويفنيها بالأصالة كالقطعة من الفحم المجاورة للنار فإنها بسبب المجاورة والاستعداد لقبول النارية والقابلية المختفية فيها يشتعل قليلا قليلا إلى ان يصير نارا فيحصل منها ما يحصل من النار من الاحراق والانضاج والإضاءة و غيرها، وقيل الاشتعال كانت مظلمة كدرة باردة. وذلك التوجه لا يمكن الا بالمحبة الذاتية الكامنة في العبد، وظهورها لا يكون الا بالاجتناب عما يضادها و يناقضها وهو التقوى عما عداها. فالمحبة هي المركب والزاد التقوى. وهذا الفناء موجب لان يتعين العبد بتعينات حقانية وصفات ربانية مرة أخرى، وهو البقاء بالحق فلا يرتفع التعين منه مطلقا (6). وهذا المقام دائرته أتم وأكبر من دائرة النبوة (7) لذلك انختمت النبوة والولاية دائمة وجعل الولي اسما من أسماء الله تعالى، دون النبي. ولما كانت الولاية أكبر حيطة من النبوة وباطنا لها شملت الأنبياء والأولياء. فالأنبياء أولياء فانين في الحق باقين به منبئين عن الغيب واسراره بحسب اقتضاء الاسم الدهر إنباؤه واظهاره في كل وقت وحين منه و هذا المقام أيضا اختصاص إلهي غير كسبي بل جميع المقامات اختصاصية عطائية غير كسبية حاصلة للعين الثابتة من الفيض الأقدس، وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه وأسبابه يوهم المحجوب فيظن انه كسبي بالتعمل، وليس كذلك في الحقيقة. فأول الولاية انتهاء السفر الأول الذي هو السفر من الخلق إلى الحق، بإزالة التعشق عن المظاهر والأغيار والخلاص من القيود والأستار والعبور من المنازل والمقامات والحصول بأعلى المراتب والدرجات. وبمجرد حصول العلم اليقيني للشخص لا يلحق باهل هذا المقام ولا بحصول الكشف الشهودي أيضا، الا ان يكون موجبا لفناء الشاهد في المشهود ومحو العابد في المعبود. وانما نبهت على هذا المعنى لئلا يتوهم العارف الغير الواصل والمشاهد بقوة استعداده للغيوب والمتصف بالصفات الحميدة والأخلاق المرضية الغير السالك طريق الحق بالفناء عن الافعال والصفات والذات انه ولى واصل بل وصوله علمي أو شهودي، وهو
(١٤٧)